سفيان ميمون
عناصر كثيرة صنعت اتجاه فرانزفانون نحو إيمانه بالكفاح ضد المستعمر و وقوفه إلى جانب الثقافة الوطنية في ظل هذا الكفاح و بعده ، و ذلك قبل أن تصنع نظرته الفلسفية لهذين العنصرين معا : الكفاح المسلح و الثقافة الوطنية ، من هذه العناصر تأثره بنظام الميز العنصري الذي وقف عليه حينما جند كعسكري في مواجهة النازية ، و وقوفه على همجية الاستعمار و عمله على إجحاف حقوق الشعوب المستعمرة حينما عمل طبيبا عسكريا في الجزائر ، و كذا الآثار التي خلفها هذا الاستعمار على نفسية هذه الشعوب و تفكيرها ، مستندا إلى تخصصه في الطب النفسي و زاده المعرفي و الفلسفي الواسع .
لقد عمل الاستعمار – و هذا شأنه – على تقويض ثقافة الشعوب المستعمرة بشتى وسائل القمع المادي و الفكري فكان للثقافة الوطنية أن انكمشت و تقوقعت على نفسها في محاولة للمحافظة على البقاء ، لكن هذا الانكماش و التقوقع لدى فانون هو سلوك إيجابي و ليس سلوكا سلبيا في ظل هذا الهجوم الاستعماري العنيف و الكاسح ، فهي لم تحاول تجديد نفسها الأمر الذي ساهم في بقائها و لو كان ذلك من خلال أنماط متحجرة غير فاعلة ، لأن ذلك يشكل حماية لها من مخاطر التثاقف غير المتجانس مع الثقافة الاستعمارية التي تتواجد في وضع أقوى يسمح لها بالهيمنة و ممارسة استيلاب ثقافي يقتل الثقافة الوطنية للشعب المستعمر و يحل محلها ثقافة المستعمر ( بالكسر) يقول فانون: " من الأخطاء الفادحة التي يصعب الدفاع عنها من جهة أخرى أن نحاول تحقيق تجديدات ثقافية ، و أن نحاول رد الاعتبار و القيمة إلى الثقافة الوطنية ، و نحن ما نزال في ظل السيطرة الاستعمارية ..."(معذبو الأرض) .
لكن فكرة الكفاح المسلح كـ" سلوك هجومي غريزي و انعكاسي " نتيجة كل أشكال الصد و التحريم ضد الثقافة الوطنية ما فتئت تنضج في صفوف الشعب ، و قد عدد فانون كثيرا من المجالات التي لوحظ فيها نمو و انبعاث لهذه الثقافة ، فالحركة الأدبية مثلا عرفت تجددا واضحا في موضوعاتها ، لقد انتقلت هذه الموضوعات من حالة موت و جمود إلى حالة حياة و تجدد بعد أن دفع القهر الاستعماري بالأدباء إلى التعبير عن وضعية المقهور و إحداث ثورة أدبية من خلال تثوير الرواية و الحكاية و الأغنية الشعبية ، هذه الأصناف الثقافية التي انحصرت بفعل الهجمة الثقافية الاستعمارية ،و لكنها عاودت الانبعاث بفعل استمرار المستعمر في عملية القهر و التي ولدت ردة فعل المقهور بأشكال و أنماط لم تكن في حسبان هذا المستعمر لأنه ترك المجال مفتوحا للأدباء ظنا منه أنه بهذا إنما يعمل على إلهاء الشعب عن الاحتجاجات و المواجهات المباشرة التي تزعجه باستمرار ، فإذا به أمام مواجهات و احتجاجات من نوع آخر ، مواجهات ثقافية مهدت بامتياز للكفاح المسلح الذي كان سببا في تقويضه والقضاء عليه .
و يثمن فانون تمسك الشعب بثقافته و رجوعه إلى ماضيه فهذا الماضي يمثل لديه عملية نفسانية عاطفية لها أن تجمع شتات الشعب فيغدو بذلك رابطة و أداة لتماسكه و تلاحمه ، غير أن هذا الماضي ليس له بأية حال من الأحوال أن يقف حاجزا أمام تنمية طاقة الشعب الثورية ، فالماضي الذي ينشده فانون هو الماضي الذي له أن يجمع قوى الشعب في نواحيها المادية و الروحية و الذي من شأنه أن يؤدي إلى التحرر من الاستعمار ، كما أن التحرر في الوقت ذاته سبب لقيام ثقافة وطنية تلم شمل الشعب و تكسبه وعيا بذاته ، فالتحرر من الاستعمار و الثقافة الوطنية يتقاسمان بهذا المعنى دور السبب و النتيجة ، يقول فانون في كتابه البشرة السوداء " أولئك الرجال و النساء الذين يقاتلون الاستعمار الفرنسي في الجزائر بقبضات أيديهم العزلاء إنما يقاتلون جميعا في سبيل الثقافة الوطنية الجزائرية " .
وهنا تبدو العلاقة الجدلية بين الثقافة الوطنية كمجموعة من الخصائص التي يتبناها الشعب وبين النضال الذي يجب أن يولد من رحم هذه الثقافة ، فالثقافة الوطنية حسب فانون لا يمكن أن تعبر تعبيرا صادقا عن حقيقة الشعب إذا ما عدت فلكلورا فحسب ،إنما هي تلك الهبة التي يجنيها الشعب عن طريق النضال والكفاح المستمر، ويعبر فانون عن هذا في كتابه معذبو الأرض " ليست الثقافة الوطنية ذلك الفلكلور الذي حسب من ينظرون إلى الأمور نظرة مجردة أنهم يكتشفون فيه حقيقة الشعب .. إنما الثقافة الوطنية مجموعة الجهود التي يبدلها شعب من الشعوب على صعيد الفكر من أجل أن يصف وأن يبرز وأن يغني النضال الذي به يتكون الشعب ويبقى".
لقد رأى فانون أنه لا الاندماج في ثقافة المستعمر الذي ميز نخبنا و لا النزعة السلفية التي تقوقعت على الثقافة التقليدية استطاعت أن تؤسس لثقافة وطنية جديدة ، و لكن الذي بإمكانه ذلك هو الكفاح المسلح دون سواه ، قد يحيل هذا المعنى إلى أن الثقافة الوطنية مؤجلة إلى ما بعد الكفاح الذي يكون نجاحه مطية للشروع في البناء الثقافي ، لكن فانون لا يقيم فصلا مرحليا بين الكفاح المسلح و الثقافة الوطنية فهما مندمجان لديه حيث ينشأ الكفاح في خضم الثقافة كما رأينا ذلك مع تثوير الأدب لأجل تعبئة الجماهير ، كما يؤسس الكفاح ذاته ثقافة وطنية خاصة تستمد من أهداف هذا الكفاح و مبادئه .
و يمزج فانون بين الثقافة و الوعي الوطني فبينما تعبر الثقافة عن الوعي الوطني يكون الوعي الوطني هو الثقافة ذاتها في شكل أسمى و أنضج ، و هو لا يرمي إلى أن يكون هذا المزج هدفا مقصودا لذاته و لكنه يؤكد على قيمة الوعي الوطني الذي يعد أساسا للوعي العالمي ، فتشكيل القيم الوطنية النابعة من إرادة الشعب يسلم لا محالة إلى اكتشاف قيم عالمية إنسانية و ينزل الأمة منزلة مرموقة بين الأمم ، يقول فانون: "...ففي قلب الوعي القومي إنما ينهض الوعي العالمـي و يحيا ،و ليس هذا البزوغ المزدوج في آخـر الأمر إلا بؤرة كـل ثقافة " ( معذبو الأرض ) .
إن الكفاح حسب فانون لا يهدف إلى الرجوع إلى الماضي و التقوقع على قيمه القديمة و لكنه يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقات بين البشر و إلى تجديد الأنماط و الأشكال الثقافية للشعب ، إنه يهدف إلى إزالة الذات
و إعادة تركيبها من جديد ناهيك عن سعيه لإزالة الاستعمار ، " إن التحرير لا يزيل الاستعمار فحسب ، بل يزيل المستعمر ( بالفتح ) أيضا " ( معذبو الأرض) .
لقد عمل الاستعمار – و هذا شأنه – على تقويض ثقافة الشعوب المستعمرة بشتى وسائل القمع المادي و الفكري فكان للثقافة الوطنية أن انكمشت و تقوقعت على نفسها في محاولة للمحافظة على البقاء ، لكن هذا الانكماش و التقوقع لدى فانون هو سلوك إيجابي و ليس سلوكا سلبيا في ظل هذا الهجوم الاستعماري العنيف و الكاسح ، فهي لم تحاول تجديد نفسها الأمر الذي ساهم في بقائها و لو كان ذلك من خلال أنماط متحجرة غير فاعلة ، لأن ذلك يشكل حماية لها من مخاطر التثاقف غير المتجانس مع الثقافة الاستعمارية التي تتواجد في وضع أقوى يسمح لها بالهيمنة و ممارسة استيلاب ثقافي يقتل الثقافة الوطنية للشعب المستعمر و يحل محلها ثقافة المستعمر ( بالكسر) يقول فانون: " من الأخطاء الفادحة التي يصعب الدفاع عنها من جهة أخرى أن نحاول تحقيق تجديدات ثقافية ، و أن نحاول رد الاعتبار و القيمة إلى الثقافة الوطنية ، و نحن ما نزال في ظل السيطرة الاستعمارية ..."(معذبو الأرض) .
لكن فكرة الكفاح المسلح كـ" سلوك هجومي غريزي و انعكاسي " نتيجة كل أشكال الصد و التحريم ضد الثقافة الوطنية ما فتئت تنضج في صفوف الشعب ، و قد عدد فانون كثيرا من المجالات التي لوحظ فيها نمو و انبعاث لهذه الثقافة ، فالحركة الأدبية مثلا عرفت تجددا واضحا في موضوعاتها ، لقد انتقلت هذه الموضوعات من حالة موت و جمود إلى حالة حياة و تجدد بعد أن دفع القهر الاستعماري بالأدباء إلى التعبير عن وضعية المقهور و إحداث ثورة أدبية من خلال تثوير الرواية و الحكاية و الأغنية الشعبية ، هذه الأصناف الثقافية التي انحصرت بفعل الهجمة الثقافية الاستعمارية ،و لكنها عاودت الانبعاث بفعل استمرار المستعمر في عملية القهر و التي ولدت ردة فعل المقهور بأشكال و أنماط لم تكن في حسبان هذا المستعمر لأنه ترك المجال مفتوحا للأدباء ظنا منه أنه بهذا إنما يعمل على إلهاء الشعب عن الاحتجاجات و المواجهات المباشرة التي تزعجه باستمرار ، فإذا به أمام مواجهات و احتجاجات من نوع آخر ، مواجهات ثقافية مهدت بامتياز للكفاح المسلح الذي كان سببا في تقويضه والقضاء عليه .
و يثمن فانون تمسك الشعب بثقافته و رجوعه إلى ماضيه فهذا الماضي يمثل لديه عملية نفسانية عاطفية لها أن تجمع شتات الشعب فيغدو بذلك رابطة و أداة لتماسكه و تلاحمه ، غير أن هذا الماضي ليس له بأية حال من الأحوال أن يقف حاجزا أمام تنمية طاقة الشعب الثورية ، فالماضي الذي ينشده فانون هو الماضي الذي له أن يجمع قوى الشعب في نواحيها المادية و الروحية و الذي من شأنه أن يؤدي إلى التحرر من الاستعمار ، كما أن التحرر في الوقت ذاته سبب لقيام ثقافة وطنية تلم شمل الشعب و تكسبه وعيا بذاته ، فالتحرر من الاستعمار و الثقافة الوطنية يتقاسمان بهذا المعنى دور السبب و النتيجة ، يقول فانون في كتابه البشرة السوداء " أولئك الرجال و النساء الذين يقاتلون الاستعمار الفرنسي في الجزائر بقبضات أيديهم العزلاء إنما يقاتلون جميعا في سبيل الثقافة الوطنية الجزائرية " .
وهنا تبدو العلاقة الجدلية بين الثقافة الوطنية كمجموعة من الخصائص التي يتبناها الشعب وبين النضال الذي يجب أن يولد من رحم هذه الثقافة ، فالثقافة الوطنية حسب فانون لا يمكن أن تعبر تعبيرا صادقا عن حقيقة الشعب إذا ما عدت فلكلورا فحسب ،إنما هي تلك الهبة التي يجنيها الشعب عن طريق النضال والكفاح المستمر، ويعبر فانون عن هذا في كتابه معذبو الأرض " ليست الثقافة الوطنية ذلك الفلكلور الذي حسب من ينظرون إلى الأمور نظرة مجردة أنهم يكتشفون فيه حقيقة الشعب .. إنما الثقافة الوطنية مجموعة الجهود التي يبدلها شعب من الشعوب على صعيد الفكر من أجل أن يصف وأن يبرز وأن يغني النضال الذي به يتكون الشعب ويبقى".
لقد رأى فانون أنه لا الاندماج في ثقافة المستعمر الذي ميز نخبنا و لا النزعة السلفية التي تقوقعت على الثقافة التقليدية استطاعت أن تؤسس لثقافة وطنية جديدة ، و لكن الذي بإمكانه ذلك هو الكفاح المسلح دون سواه ، قد يحيل هذا المعنى إلى أن الثقافة الوطنية مؤجلة إلى ما بعد الكفاح الذي يكون نجاحه مطية للشروع في البناء الثقافي ، لكن فانون لا يقيم فصلا مرحليا بين الكفاح المسلح و الثقافة الوطنية فهما مندمجان لديه حيث ينشأ الكفاح في خضم الثقافة كما رأينا ذلك مع تثوير الأدب لأجل تعبئة الجماهير ، كما يؤسس الكفاح ذاته ثقافة وطنية خاصة تستمد من أهداف هذا الكفاح و مبادئه .
و يمزج فانون بين الثقافة و الوعي الوطني فبينما تعبر الثقافة عن الوعي الوطني يكون الوعي الوطني هو الثقافة ذاتها في شكل أسمى و أنضج ، و هو لا يرمي إلى أن يكون هذا المزج هدفا مقصودا لذاته و لكنه يؤكد على قيمة الوعي الوطني الذي يعد أساسا للوعي العالمي ، فتشكيل القيم الوطنية النابعة من إرادة الشعب يسلم لا محالة إلى اكتشاف قيم عالمية إنسانية و ينزل الأمة منزلة مرموقة بين الأمم ، يقول فانون: "...ففي قلب الوعي القومي إنما ينهض الوعي العالمـي و يحيا ،و ليس هذا البزوغ المزدوج في آخـر الأمر إلا بؤرة كـل ثقافة " ( معذبو الأرض ) .
إن الكفاح حسب فانون لا يهدف إلى الرجوع إلى الماضي و التقوقع على قيمه القديمة و لكنه يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقات بين البشر و إلى تجديد الأنماط و الأشكال الثقافية للشعب ، إنه يهدف إلى إزالة الذات
و إعادة تركيبها من جديد ناهيك عن سعيه لإزالة الاستعمار ، " إن التحرير لا يزيل الاستعمار فحسب ، بل يزيل المستعمر ( بالفتح ) أيضا " ( معذبو الأرض) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق