الخميس، 18 أغسطس 2011

أحداث بريطانيا والنظام الرأسمالي

سفيان ميمون

رغم أن العالم الغربي يعيش جوا من الديمقراطية السياسية التي خولت له التفاخر والتطاول والإعتداد بتنصيب ذاته مركزا للتحكيم وتنفيذ إجراءات الثواب والعقاب السياسي والعسكري على باقي الشعوب إلا ان هذه الديمقراطية السياسية – كما يبدو من أحداث لندن الأخيرة – لم ترفق بديمقراطية اجتماعية تتقارب خلالها حظوظ الأفراد ومستويات عيشهم ، بل إن الظاهر هونوع من الحقد الإجتماعي من طبقات ضد طبقات أخرى ، وإلا ماهو التفسير الذي يمكن اعتماده في عمليات الهجوم المنظمة ضد المراكز التجارية الكبرى بدل الهجوم على مؤسسات حكومية سيادية أو أمنية .

قد تكون هذه المؤسسات محصنة أمنيا بحيث يصعب النيل منها بنفر من مثيري الشغب ، لكن ذلك لا يبرر البتة هجوم الشعب ضد الشعب إذا كان المشكل هو نظام الحكم الذي لم يوفق في إتاحة الفرص أمام الشباب من أجل العمل والعيش بشكل أفضل .

ربما يكون الشكل الأفضل للعيش وحده الدافع أمام تنامي ثروات أفراد وطبقات وانحسار هذه الثروة لدى أفراد وطبقات أخرى من الذين لم يكن لهم حظ الإندماج في سيرورة اللعبة الرأسمالية المتوحشة التي رمت بهم إلى أطراف المجتمع – حسب نظرتهم طبعا – لأن المجتمع الرأسمالي لا يصنع فقط الفوارق الاجتماعية ، إنه يقوم بهذا فعلا ولكنه أيضا يصنع نظرة الطبقات التي يصنع واهتمامها وتفكيرها وسلوكها .

لقد شكلت تركيبة النظام وطبيعة العلاقات السائدة ذهنية الفرد وسلوكه وثبت أن النزعة المادية التي كرستها الرأسمالية تعمل اليوم على هدم المجتمع وخلخلة النظام من خلال الإحساس المتزايد بالتفاوت المادي لدى الطبقات التي لا تملك كالآخرين الذين سمح لهم السياق الإجتماعي بزيادة أموالهم وبالتالي زيادة مكانتهم وسلطتهم ونفوذهم .

إن إلغاء النزعة المادية لكل روحانية جعل هم الشباب الثائر الحصول على الأموال وإن كانت حين عدها دراهم معدودات ، كما بدا على شاشات التلفاز لشاب ماليزي كان ينزف دما إثر سقوطه جريحا ، وقد بادرت مجموعة من الشباب لإسعافه ، لكن هؤلاء الشباب – كما أظهرتهم الكاميرات – بادرو إلى أخذ الأموال التي كانت معه من حافظته .

الهم هو المال وليس شيئا آخر ، الهم هو العيش الأفضل كالآخرين والقدرة على شراء كل متاع مما تنتجه التكنلوجيا الحديثة وليس شيئا آخر ، لا تهم حالة هذا الشاب المتألم وإن كان معهم في الصف ، لقد غابت كل روحانية وإحساس بالآخر ، نفسي نفسي ، ليس شعار الناس في الآخرة حينما لا تجد سوى محمد صلى الله عليه وسلم ينادي: أمتي أمتي ،ولكنه شعارهم في الدنيا وفي بريطانيا تحديدا كنقطة من نقاط الرأسمالية الرئيسة .

السرقة والنهب عمل مشين وهو في نظر القائمين على دولة بريطانيا العظمى كذلك ، لكن الذي دفع إلى هذا السلوك هو طبيعة النظام القائم ( النظام بمعناه العام وليس فقط النظام السياسي ) الذي أفرز أخلاقا من جنسه وضعت قيد التنفيذ ، فمن العجب أن ينتج هذا النظام أخلاقا ويهيء ذهنيات ويصنع اهتمامات وأذواق ثم يستغربها حينما تتحول إلى سلوكات ويستهجنها وهي من صلبه .

لقد كان النظام الرأسمالي عماد التطور التكنلوجي الحاصل ، فأسهم في تطوروسائل العيش ووسائل الموت ( الأسلحة ) على حد سواء ، وسائل الإتصال والإعلام والنقل وغيرها ..، مما قلل من عناء الإنسان في الوصول إلى ما يريد ، رغم أن إرادة الإنسان ورغبته زادت مع زيادة وانفجار هذه الوسائل ، فلم يعد همه لقمة عيش فحسب ، نعم لم تعد الرفاهية تقاس بتوفر رغيف خبز يؤكل ومسكن يؤوى إليه ، ولكن الرفاهية اليوم في عصر التكنلوجيا هي اكتساب كل جديد ، والتمتع بمزاياه والتفاخر به ، من أجل ذلك أصبحت التكنلوجيا تمثل إغراء حقيقيا تستدعي التضحية من أجله ولو باللجوء إلى النهب والسرقة في غياب دخل كاف لتوفير كل مرغوب فيه مما ينتج .

هكذا أكلت التكنلوجيا الإنسان وأضحت أصلا له بدل أن يكون هو الأصل والمحور الذي ينتج القيم والمعايير ، لقد أصبحت الحضارة الغربية الحديثة القائمة على المادة هي المحور الذي ينتج هذه القيم ، فالإنسان كما يرى " هربرت ماركيوز" أصبح تابعا لمقتضيات هذه الحضارة التي فرضت عليه منطقها ، فأصبح يتصرف بمقتضاها بدل أن يوجهها بمنطق " الإنسان " ، من أجل هذا فقد الفرد كل روح و أصبح منطق المادة المتحكم الوحيد في فعل وسلوك الفرد .

قد تختلف أحداث بريطانيا عن الأحداث القائمة في الشرق ، فواقع لندن يختلف عن واقع تونس والقاهرة وطرابلس ودمشق وصنعاء ولكن ذلك ليس مطلقا ، فالحضارة الحديثة وهي حضارة مادية جعلت من العالم قرية صغيرة كما يرى " ماكلوهان " يتعولم فيه كل فعل وكل سلوك وكل اهتمام ، فلا غرابة أن يتعولم اهتمام الفرد بإسقاط كل نظام يقف أمام رغبته في العيش الكريم والرفاهية والقدرة على توفير ما تجود به التكنلوجيا الحديثة وإن اختلف هذاالنظام من قطر إلى قطر ومن بلد إلى آخر ، هكذا فسواء كان النظام الذي يراد إسقاطه نظام حكم طاغ أو نظام رأسمالي متوحش ، فإن عصر التكنلوجيا أخرج لنا نواميسه التي يجب أن نعرفها جميعا وهي أن تفكير الإنسان وسلوكه أصبح خاضعا لمقتضيات الواقع المادي الذي ساهمت في صنعه الحضارة الرأسمالية الحديثة .

نشر المقال بصحيفة القدس العربي عدد6903 في 22أوت 2011الرابط / http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today\21j468.htm&arc=data\2011\08\08-21\21j468.htm

الخميس، 31 مارس 2011

معمر والغرب

سفيان ميمون كلمة
تتداول ألسن كثير من الناس كلمات تشيد بالعقيد معمر القدافي فهو رجل وفحل ...لكن هذه الكلمات وبردها إلى الاوعي الذي انطلقت منه تعبر أكثر ماتعبر عن تلك الرغبة المكبوتة في الانتصار على الغرب الذي طالما انتصر علينا وتفنيد صدق هدا الغرب في هبته لنصرة المدنيين في ليبيا العزيزة ، هؤلاء لا يقدرون العقيد لذاته فقد أطلق العنان لكتائبه كي تطلق النار على العزل من أبناءشعبه ولكنهم يريدون إرسال رسائل بلا عنوان لكنها ليست ضائعة لأنها ستصل إلى كل عنوان ، رسائل فحواها أن هؤلاء الذين نستعين بهم لضرب ليبيا كي يخلصو المدنيين من طغيان نظام القذافي هؤلاء الحلفاء ، ومجلس الأمن هذا هم الذين لم يريدوا تخليص المدنيين في غزة من طغيان إسرائيل خلال السنوات الماضية والتي كانت تقصف رؤوسهم بطائرات أف 16، لم يبلور مجلس الأمن قرارا نافذا بل لقد كان الحديث حينها عن حماية المدنيين الاسرائيليين الذين كانوا يسمعون صوت الرصاص بينما يموت الفلسطينيون في غزة بقنابل الطائرات الحربية على مرأى العالم كله إذ كانت كل القنوات الفضائية تنقل الأحداث من عين المكان ، فهل بعد هذا يمكن أن تكون ثقة في مجلس الأمن وفي حلف شمال الأطلسي الذي دمر العراق بلد الحضارة وعاد بها إلى ماقبل البداوة ، القضية كما يقر بذلك كل المحللين السياسيين هي قضية مصالح فكل دولة لها مصالحها من وراء مشاركتها في قصف ليبيا وفرض رقابة جوية عليها والثوار الليبيون لهم أيضا مصالحهم المعروفة والمشروعة في آن ، ولكن من سيعيد لليبيا حالها الطبيعي إذا رأت بعض الدول القوية أن مصالحها لم تتحقق بعد ، ومن سيوقف طغيان هذه الدول إذاسيطرت على المنطقة وتمادت في طغيانها الدولي على أرض عربية إسلامية ، لا يؤتمن الغرب ....

السبت، 5 فبراير 2011

لعبة الاستحمارتستمر

سفيان ميمون - الجزائر

كان علي شريعتي قد نبه إلى عملية الاستحمار التي تتعرض لها الشعوب من قبل الحاكم المستبد،فهذا الحاكم لايثنيه شيء عن الاستمرار في ابتداع السبل والكيفيات التي يطيل بهامدة حكمه من خلال تغييب العقل في عقله وطبع المجتمع بطابعه وشكله ، و هو الأمر ذاته لدى الكواكبي الذي حاول إيضاح سبل الراعي في إخضاع الرعية وجعلهم تحت سلطته في كل تفاصيل الحياة .

لايبد و ثمة اجحاف إذا قلنا أن الصفات الملازمة للحاكم العربي اليوم هي ذاتها الصفات التي طالما ظلت ملتصقة به منذ زمن بعيد ، ولاعجب أن يتغير الزمن ولا تتغير الصفات الملازمة للحاكم ، إذ أن الحاكم نفسه هو الذي كان وهو الذي أصبح وهو الذي يريد أن يبقى ويخلد ، لكن هيهات ...فقد نما الوعي وانفجرت المعرفة ، إنه مجتمع المعرفة الذي نحياه ، لم تعد تكفي الهراوات من أجل تمرير سياسة أوتثبيت قانون ، ولم تعد تكفي أيضا الأيديولوجيات الجاهزة ، با عتبار ضرورة المزج بين ماهو قمعي وماهو أيديولوجي كما هي نظرة ألتوسير الذي يرى أن الدولة تحتاج من أجل بسط سيطرتها إضافة إلى أجهزتها القمعية كالشرطة والجيش ...إلى أجهزة أخرى غير مادية ، أجهزة أيديولوجية تسوق ضمن محتويات القانون والسياسة ومناهج الدراسة ...، لم تعد الأيديولوجيا الجاهزة كافية إذن لأن هناك غربالا جديدا هو غربال الوعي الاجتماعي الذي اتجه اتجاها نقديا مستمدا هذا الاتجاه من التناقض الواضح والصريح بين ما يقال في د وائر الحكم وبين الواقع الفعلي والحقيقي ، ومستمدا إياه كذلك من معرفة الواقع في كليته وشموليته ،هذا الواقع الشامل لكل الجغرافيا وكل التاريخ وكل السياسة وكل العلاقات بين الحكام والمحكومين والحكام والحكام والمحكومين أنفسهم ، إن المعرفة بالواقع في شموليته هي معرفة بجزئيات هذا الواقع وهي بذلك معرفة بسياسات حاكم من الحكام أو نظام من الأنظمة.

لم يتغير كثير من حكامنا العرب منذ زمن طويل ، ولم تتغير أنظمة الحكم كذلك ، بينما تغير المجتمع وتغيرت ثقافة الأجيال ، فثقافة "الرعية " اليوم تشكلها قيم جديدة تختلف تماما عن القيم التي حكمت مجتمعات سابقة لم تعش هذا التدفق الهائل للمعلومات والمعارف ،لقد ثبتت هذه المعارف نفسها سلطة بديلة عن السلطة التقليدية ( السلطة السياسية) حيث أصبحت تفرض نفسها على إنسان العصر الحاضر فيستمد منها هوأيضا سلطته في التعاطي مع الواقع و وعيه و العمل على تجاوزه .

لقد تمادت الأنظمة العربية في ممارسة مختلف أشكال الاستحمار و الاستخفاف بالعقل في مختلف الحقب و الفترات و حتى في أحلك الأوقات التي تعيشها ، و خاصة الأوقات التي يبرز خلالها نمو واضح للوعي الاجتماعي ، فقد رأينا كيف حاول الرئيس المصري التمادي في سياسة الاستحمار من خلال خطابه الذي أعقب الثورة الشعبية المناهضة لحكمه حيث أعلن عن إجراءات "في غاية الأهمية" و هي إقالة الحكومة القديمة و تعويضها بحكومة جديدة هادفا من وراء ذلك إلى إسكات الأصوات التي خرجت إلى الشارع مطالبة بتنحيته عن الحكم ،لكن سعيه هذا ذهب في مهب الريح لأن الجماهير الثائرة لم تأت للتجمهر والتظاهر و هي مدفوعة بالخبزو الحليب كما كانت عليه الحال في السابق ....و إن كان الخبزو الحليب و تحسين الوضعية الاجتماعية من المطالب الأساسية لهذه الجماهير، و لكنها مدفوعة بالوعي المستمد من الانفجار الهائل للمعرفة و المعلومات و الدور الرهيب الذي أصبحت تلعبه وسائل الإعلام و الاتصال في كشف الواقع الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و تزويد "الرعية" باخبار كافية عن " الراعي" أي توعيتهم بحاله وبحالهم أيضا من خلال معرفة من يحكمهم ، وكيف يحكمهم، وماذا يريد من وراء حكمه إياهم ، ثم إن نظام سيادة الرئيس يوغل في سياسة الاستحمار من خلال عدم الاستجابة للمطالب الشعبية الداعية إلى رحيله و ابتكار و ركوب سياسات جديدة لعلها تحفظ له ولزمرته كرسيه الدافيء من طول مدة جلوسه على هذا الكرسي ، من هذه السياسات و التي انتبه إليها كثير من المحللين والتي انتشرت عبر وسائل الاعلام خلق فئة من الأفراد و حثهم على التظاهر تظامنا مع الرئيس ثم تثوير هذه الفئة من أجل إيهام الرأي العام( استحمار الرأي العام) بشدة تمسك طرف من الشعب المصري بهذا النظام ، لكن الانفتاح على التكنولوجيا وقوة وسائل الاعلام و سرعة انتشار المعلومة فضح سياسة سيادة الرئيس فعاد الاستحمار على النظام ، وأصبح العالم كله يضحك على هذه السياسات الساذجة ، فالكبير و الصغير والرجال و النساء كلهم يضحكون و يتهكمون على هذه السياسات الواضحة الشفافة ، لقد عاد الاستحمار معكوسا : الجمهور الواقع تحت سلطة المعرفة يعمل بوعيه المكتسب على استحمار حكامه .