الخميس، 23 سبتمبر 2010

رحيل المفكرين ....رحيل الفكر والثقافة

سفيان ميمون

إنها سنة الرحيل ، الوصف الوجيز والشامل لسنة 2010 ، هذه السنة التي ذهبت بخيرة مفكرينا ، وهل ثمة أعظم من أسماء كالجابري ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وفؤاد زكريا وغيرهم ممن انبروا لدراسة ونقد الفكر والثقافة وتشابكهما وعلاقتهما بالدين والعلمانية والاجتهاد والتراث والتجديد وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي أخذت مفاهيم جديدة ، أو ينتظر منها أن تأخذ مفاهيم جديدة في ظروف جديدة على البشرية ، فالبشرية تتجدد في ظروف عيشها فلا بد لها إذا من تجديد علمي ومنهجي يوازي ذلك التجدد.

بهذا المنطق واجه هؤلاء المفكرون هذه الظروف فراح الجابري ينقد العقل العربي في تكوينه وبنيته وفي جانبه السياسي والأخلاقي، كما راح ينبش في مشكلات الثقافة العربية وكيف أنها تنبع من الداخل بدءا ، وهو ما يترتب عليه أن نشرع في إعادة ترتيب البيت من هذا الداخل نفسه، من خلال إعادة تأسيس الوعي بالذات والوعي بالآخر ، فلا بد حسب الجابري أن نشرع في البناء والترميم من داخل الثقافة العربية نفسها لا أن نستورد من الخارج بذورا قد لا توافق طبيعة التربة عندنا ، كما ذهب أركون في طريق التجديد من خلال محاولة الاستفادة من المناهج الحديثة في العلوم الإنسانية واستخدامها لتحليل ونقد الفكر والعقل والنص الديني ، ورغم أن المساس بالمقدس وإخضاعه لأدوات ومناهج بشرية قد جلب له الكثير من النقد العلمي وغير العلمي على السواء إلا أنه واصل في طريق التجديد، فذاك هو هدفه ومبتغاه ، هذا الهدف الذي جعله يتقلب بين مطرقة الشرق المحافظ الذي لا يقبل المساس بنصوصه المقدسة وسندان الغرب الذي رأى فيه حاملا لواء الدين الإسلامي في صورته الحديثة ، إنه الكابوس الذي يزيد من حدة الإسلاموفوبيا في أوروبا والغرب عامة لأنه يزيد من قوة الإسلام حينما يجعله حليفا للعلوم الإنسانية ومناهجها ، إنها دعوة إلى التفكير في الامفكر فيه حسب أركون ، دعوة إلى التجديد الدائم والمستمر في الفكر والثقافة الإسلامية في ذاتها وفي علاقتها بالثقافات الأخرى ،من خلال اكتساح مجالات أخرى جديدة لم يصلها ضوء السابقين من الذين بحثوا في المجال نفسه.

هذا النقد الديني كان أيضا الطريق الذي سلكه نصر حامد أبو زيد من خلال محاولاته الجادة لبيان الأغلاط التي تطال فهم الناس للدين وضرورة الفصل بين الدين في ذاته وفهم واجتهاد العلماء ، هؤلاء الذين أحيطوا بهالة من القداسة وأصبحت أقوالهم وآراؤهم تعادل نصوص القرآن والسنة ،بل وتتعداها أحيانا ، لكن المشكلة الأكبر لدى أبي زيد هي ذلك الاحتكار الذي يمارسه هؤلاء العلماء في فهم وتفسير النصوص من خلال تنصيبهم من بعض فئات المجتمع في مكانة علية ودونهم كل مجتهد مفسر من أجل التنميط السياسي والأيديولوجي للمجتمع والثقافة .

لقد اعترف هؤلاء المفكرون جميعا باجتهادات السابقين في مجال الفكر بأصنافه المختلفة كما في مجال الدين بمختلف ميادينه ، فلولاهم ماكانوا ليؤسسوا معارفهم ونظرياتهم ، ذلك أن المعرفة تراكمية ، فالمعارف لا تبنى إلا على معارف سابقة ، لكن هذه المعارف لا بد لها حسب المناهج الحديثة لكي تقترب من الحقيقة العلمية أن تكون على قطيعة مع المعارف السابقة ، وتأسيس معرفة جديدة تبنى على العلم وحده، إذا هناك اتصال وانفصال ، تناقض في الشكل والمظهر وانسجام وتناغم في الروح والجوهر .

لقد نظروا إلى السابقين نظرة تبجيل وتقدير ، خاصة وقد أخذوا عنهم ونهلوا من أفكارهم ومناهجهم ولكنهم قدموا لنا رسائل قوية من خلال مختلف النصوص التي تضمنتها كتبهم ومقالاتهم أن العلم ليس حكرا على زمن من الأزمنة أو مكان أو رجل من الرجال ، ولكن لابد من التجديد الدائم والمستمر للفكر والمعرفة والثقافة . هكذا علمنا مفكرونا الذين رحلوا فهل استوعبنا الدرس ؟.

للأسف الشديد لقد انساق مثقفونا وراء مصالحهم الضيقة متناسين رسالتهم في وعي واستيعاب رسالة المجتمع وإعادة نشرها بما يحقق نموه وازدهاره . لقد أصبح القذف والتجريح ديدنهم فصاروا أدوات فاعلة في أيدي التكتلات السياسية والثقافية والاقتصادية ، ألم نشهد مهزلة مصر والجزائر وكيف انبرى كثير من مثقفينا في صورة إعلاميين وكتاب لتأجيج الفتنة وزيادة الحقد بين الجماهير التي أصبحت محكومة بعواطف وهمية ، واليوم نسمع أن معرض الجزائر الدولي للكتاب سوف يقام بدون دور نشر مصرية . ياللمهزلة ، فطالما سعى مفكرونا لأن يجعلوا السيادة والريادة للفكر والثقافة ، لكننا نرى العكس ، نرى الثقافة وهي منبطحة أمام سلطان الكرة ، كرة عملت على لف الثقافة الأصيلة الفاعلة والفكر الصادق الخلاق بحزام المصلحة والأيديولوجيا ، إنه عصر المصلحة والمنفعة ، ألم يقرر فوكوياما أن التاريخ سيتوقف عند نظام تؤسسه المنفعة الفردية ويتخذ من الرأسمال أساسا لقيامه رغم أن أنواع الرساميل تعددت وأصبح ثمة رأسمال ثقافي واجتماعي وبشري.....

لقد صارت الثقافة والفكر الرأسمال الأول في أيدي الصفوات المختلفة من أجل السيطرة والهيمنة ، ولا يهم بعد ذلك طبيعة الوعي الذي يصبح متداولا في المجتمع ونوعية القيم التي تسود ، لقد انصرفنا عن نقد ذواتنا في العيش والتفكير واتجهنا إلى مسائل لا تغني ولا تسمن من جوع ، بل على العكس من ذلك تزيد في تعميق الجهل وزرع الضغائن وشغل الناس ليس عن التفكير السوي في هذه المسائل فحسب، بل وشغلهم عن تدبير شؤونهم في مجال الأكل والشرب .

لقد تحدث أركون عن العقل المستقيل الذي يحيد نفسه عن مناقشة المسائل ويتركها للأحكام المعلبة الجاهزة ،وهانحن نعيش استقالة شبه تامة لمثقفينا من كتاب وأساتذة وإعلاميين ومربين من مناقشة القضايا الثقافية التي تحاصرنا من كل جانب ، لقد قدم مثقفونا استقالة جماعية عن حمل الهم الثقافي والتربوي فتضاءل دور الأستاذ والمعلم والمربي وبقي الدور للكاتب والإعلامي في مهمة مزدوجة : مهمة النقد الثقافي والفكري والتربوي البناء والأصيل ، وهي مهمة قدم فيها الكثير من الإعلاميين والكتاب استقالتهم منها ، ومهمة أخرى بقوا على عهد بها وهي مهمة التضليل الثقافي والفكري وما تحمله من عواقب اجتماعية وتربوية ، وأريد هنا أن أضرب مثالا حيا عشته ، فبينما كنت أتجول في المدينة التي أسكن في عمق الجزائر إذا بأطفال صغار لم يتجاوزوا سنوات الدراسة الأولى يحملون صورا لنجوم المنتخب الجزائري وهم يرفعون في أيديهم مسدسات ، اقتربت من الأطفال الصغار وسألتهم عن دلالة الصورة ، فقالوا :إنهم ذاهبون لمحاربة المصريين ، فادهشت لقولهم وقلت لهم ، ولم نحارب المصريين وهم مثلنا عرب مسلمون؟ ، قال الأطفال بكل عفوية وبراءة :إن نصف المصريين يهود .

صم أذني هذا القول وغلف قلبي بغشاوة لم أعهدها ، ورغم أنني حاولت في تلك اللحظة أن أتقمص دور المعلم والمربي رغم تواجدنا في طريق عامة مزدحمة من أجل أن أشرح لهم أن المصري أخو الجزائري مسلم مثله ، عربي مثله ، وأن السياسة والمنفعة التي يسعى إليها بعض الساعين ولو بإحداث الفرقة والشقاق بين المسلمين هي السبب في هذا الفهم وهذا الشعور الذي أصبح يلازمهم ، غير أنني أحسست بالعجز وأنا أستحضر تلك الترسانة الإعلامية التي جيشت من أجل تزييف الشعور العام والدوس على قدسية الثقافة النبيلة التي يجب أن تحكم علاقة الأخ بأخيه .

هل نقول إنها استقالة المعلم والأستاذ والمربي؟ أم أننا نحاول التبرير ونقول بأن الإعلام أقوى وقعا وأشد أثرا من أستاذ لم يعد قدوة للطلاب ، بل صار قدوتهم مطرب من الشرق وراقص من الغرب ، ونزيد قولا بأن ثقافة العولمة في صورة ثقافة الصوت والصورة فرضت نفسها وأصبحت المربي البديل لأبنائنا ، لا يهم كل هذا لو أننا طوعنا الإعلام والتكنولوجيا الحديثة ، وأسكنا في كل فضائية أساتذة ومربين يتناوبون على ساعات البث ، لينشروا الكلمة الهادفة ويبثوا الوعي الصادق.

لكننا للأسف نسير في الاتجاه المعاكس ، ونعمل دوما على تبرير سيرنا في هذا الاتجاه ، فعذرا أساتذتنا ، عذرا لعل الله يجعل من بعد عسر يسرا .

نشر المقال بصحيفة القدس العربي يوم 22/ 09 / 2010 عدد 6621 بعنوان : " عام رحيل المفكرين وحقن الجماهير ( نشر إلكترونيا يوم 21 / 09 / 2010 ) والرابط هو : http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data\2010\09\09-21\21qpt85.htm

الخميس، 9 سبتمبر 2010

عن الحركة الطلابية

سفيان ميمون
تعد الحركة الطلابية إحدى الظواهر البارزة في عصرنا الحالي فالطلاب مجتمعين متكتلين أصبح لهم وزن و دور كبير حيال التوجهات السياسية و القرارات التي تتخذها الدولة ناهيك عن توجهات الجامعة التي ينتمون إليها في مجال العملية التعليمية بمضامينها المختلفة و من هذا المنطلق ألحقت بالحركة الطلابية سمتان اثنتان هما :"[i]"
أ / دعواها بأنها حركة سياسية مستقلة و هذا ما يبدو واضحا في لغتها و أفكارها و علاقتها الوثيقة بمختلف قطاعات الحركة الراديكالية .
ب / اهتمامها ببناء وديناميات الجامعة ذاتها .
و وصفها بالحركة السياسية المستقلة يحيل إلى وجود وعي طلابي متنامي مواز للتغيرات التي يشهدها المجتمع و ديناميات الحياة في مختلف المجالات ، هذا الوعي الطلابي الملازم لظروف اجتماعية معينة يشبه إلى حد كبير الوعي الطبقي الملازم للظروف التي كان يعيشها العمال الصناعيون في أعقاب الثورة الصناعية في أوروبا، و هذه الفكرة عبر عنها ألان توران " TOURAINE " حينما اعتبر أن هناك " تماثلا واضحا بين الطلاب و العمال ، ففي الجامعات الفرنسية الكبيرة الحجم – و في جامعة كجامعة نانتيرNANTERRE - - حيث تواجه عزلة اجتماعية أصبح الطلاب يشكلون جماعة متميزة تشبه في بعض الوجوه العمال الصناعيين في المصانع الرأسمالية المبكرة ، فضلا عن أن ثمة تشابها بين المعتقدات التي يؤمن بها الطلبة الآن و التصورات اليوتوبية التي آمن بها الاشتراكيون الأوائل "
[ii] .
النزعة الثورية إذا هي القاسم المشترك بين حركة البروليتاريا الاشتراكية و بين حركة الطلاب اليوم الذين يبنون و يطورون ثقافة خاصة بهم تتسم برفض الأوضاع القائمة و الموروثة و التطلع نحو الجديد ، غير أن الفرق بين الحركتين ( حركة البروليتاريا و حركة الطلاب ) هي أن الأولى تعتبر نفسها طبقة مستغلة من قبل الرأسماليين لذلك تطالب بالثورة على الأوضاع القائمة أما الثانية فهي " تعبير عن حركة نقذية فكرية أخلاقية للمجتمع "
[iii] و العملية النقذية و الفكرية التي تشكل روح الحركة الطلابية تستند إلى ثقافة خاصة تدعى ثقافة الشباب التي تصنف كثقافة فرعية تختلف عن الثقافات الأخرى كثقافة الآباء مثلا، فمفهوم ثقافة الشباب تستخدمه الحركة الطلابية " كنقطة انطلاق مناسبة لتحليل القيم التي تكمن في خلق الحركات الاجتماعية للشباب و الأهداف التي تسعى إليها ، فالشباب يطورون لهم ثقافة خاصة بهم تشير إلى تلك الأساليب السلوكية و القيم و المثاليات و طرائق الحياة و التفكير التي تتجسد في أنظمة و علاقات اجتماعية ، و أنساق للاعتقاد تتبلور حول حاجات الشباب و وضعهم في المجتمع و إحساسهم بمشكلاته وإسهامهم في تغييره "[iv] .
إن النظر إلى ثقافة الشباب محركا للحركة الطلابية يحيل إلى مصدرهام لتفسير سلوكات وتصرفات حشود الطلبة و الدوافع القابعة وراءها ،غير أن ثقافة الشباب هذه لا يمكن التسليم بها كدافع مطلق لنتائج و أهداف معينة لأن الشباب يختلفون في سلوكاتهم واندفاعاتهم ، وثقافتهم العامة تضم خصائص مختلفة من جماعة شبانية إلى أخرى و من جماعة طلابية إلى جماعة طلابية أخرى تبعا لاختلاف البيئات و الأحوال الاجتماعية و السياسية و الدينية و غيرها .
الحركة الطلابية في الجزائر :
* قبل الاستقلال :
بدأ انخراط الطلبة الجزائريين في التجمعات الطلابية في فرنسا قبل إنشاء جامعة الجزائر فكانت هناك " تنظيمات عامة مشكلة في كل جامعة ابتداء من تاريخ 1877 و التي تجمعت كلها في حدود 1907 لتشكل ما يسمى بالاتحاد الوطني للتجمعات الطلابية بفرنسا ( UNAEF ) و الذي يتحول فيما بعد إلى الاتحاد الوطني للطلبة بفرنسا ( UNEF ) الذي حاول جمع كل الطلبة على اختلاف توجهاتهم السياسية و الاجتماعية و الدينية و ذلك للدفاع صفا واحدا عن حقوقهم المشتركة "
[v] و لم تكن الحقوق التي سعى الطلبة إلى تحقيقها مشتملة على الجانب التحرري نظرا لطبيعة الفترة التي كانت تحياها تلك التنظيمات ، إذ أن هذه النقطة لم تطرح إلا بعد الحرب العالمية الثانية .
و قد انتظم الطلبة الجزائريون في الجزائر في" جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا (AEMAN) بدءا من عام 1919 و جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا بفرنسا ( AEMANF ) بدءا من عام 1927 "
[vi] ، و كان اندماج الطلبة الجزائريين في التنظيمات الطلابية ينظر إليه من جانب الاستعمار الفرنسي على أنه اندماج في الحياتين الثقافية و السياسية الفرنسية فانفتاح المجال أمام الطلبة الجزائريين كان فرصة لخلق طبقة طلابية قائدة موجهة بثقافة فرنسية دورها الآني استقطاب جموع الطلاب الجزائريين من أجل تكوين نخبة مستقلة تلعب دور الوسيط بين سياسة الاستعمار و الجماهير الشعبية خاصة في فترة لم يكن الوعي السياسي للطلبة الجزائريين قد نضج بعد فكانت مطالبهم لا تخرج عن مجالها الاجتماعي و التعليمي .
و لكن هذا الوعي ماانفك يزداد بعد الحرب العالمية الثانية فانتظام الجزائريين في منظمة طلابية وطنية اسمها الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) و التي ظهرت " عام 1953 و كان برنامجها أو ميثاقها ينص على الانفتاح على مختلف الشرائح الطلابية من أصل جزائري و لديها قناعات بضرورة استقلال الجزائر لكن دون تمييز عرفي أو ديني "
[vii] .
و لكن ضغط الواقع الطلابي و الثوري و الفكري جعل خلافا حادا يقوم بين تيارين داخل هذه المنظمة سببه حرف الميم (M ) الذي يعني المسلمين حينما أراد التيار الثاني أن تكون المنظمة باسم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ( UGEMA ) ، و كان رفض التيار الأول لإضافة حرف الميم وفاء للمبادئ الأولى التي نشأ عليها التنظيم و التي تستقر بشكل خاص في اللا تمييز الديني و العرفي و لكن هذه المبادئ أيضا تستند إلى إيديولوجيا معينة ترفض إضافة كلمة مسلمين و ما تحيل إليه من معاني في الثقافة و الشخصية ، بينما كان إصرار التيار الثاني على إقرار حرف الميم من أجل التأكيد على إسلامية شخصية الجزائريين و التميز بذلك عن الذات الاستعمارية ، و يبرر أحد أعضاء الاتحاد العام للطلبة الجزائريين إصرار هذا الأخير بالتمسك بحرف الميم بقوله " إن العملية كانت تخفي في طياتها مؤامرة خطيرة إذ لو تنازلنا عن انتمائنا الإسلامي في العنوان لفتحنا بأيدينا باب الانخراط لأبناء الجالية الأوروبية المقيمة بالجزائر و كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في التعليم العالي فكانوا على سبيل المثال خمسة آلاف (5000 ) طالب بجامعة الجزائر ، بينما لم يتجاوز بها عدد الجزائريين الأربعمائة ( 400 ) "
[viii] ، و قد تغلب التيار الثاني في فرض الإسم بضم كلمة المسلمين للاتحاد الذي استطاع أن ينظم إضراب 19 ماي 1956 عن الدروس و التحاق الطلبة بصفوف الثورة الجزائرية و هي مرحلة أخرى من مراحل النضال الطلابي الذي لم يجد أمامه سوى العمل المسلح تجاوبا مع ما تفرضه المرحلة و تلبية الواجب الوطني حيث جاء في بيان 19 ماي 1956 على لسان الطلبة الأعضاء في الاتحاد " ... فما هي الفائدة إذا من هذه الشهادات التي تمنح لنا باستمرار ، بينما يخوض شعبنا كفاحا بطوليا ...... و نحن إطارات الغد يقترح علينا أن نؤطر ماذا ؟ و أن نؤطر من ؟ ربما الأنقاض و تلك الأكوام من الجثث التي خلفتها حوادث قسنطينة و تبسة وسكيكدة و تلمسان و أماكن أخرى دخلت بعد ضمن ملحمة وطننا "[ix] .
* بعد الاستقلال :
بعد استقلال الجزائر مباشرة تم حذف حرف الميم و الإبقاء على صيغة الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) الذي أصبح الممثل الوحيد للطلبة بمختلف مشاربهم السياسية والايديولوجية على أن يكون الهدف المنشود هو المضي قدما نحو تشييد و تنمية البلاد التي خرجت منهكة من الحرب التحريرية و استمر هذا التنظيم وحيدا إلى ما بعد أكتوبر 1988 تاريخ الانفتاح الديمقراطي و السماح بالحرية الحزبية و الحق في تأسيس الجمعيات ، لكن الفترة الواقعة بين الاستقلال و أكتوبر1988 لم يسدها الهدوء مطلقا فقد وقعت أحداث بعضها يرمي إلى تحقيق غايات اجتماعية و بعضها الآخر ذو صبغة سياسية أو إيديولوجية كأحداث 1979 الداعية إلى تعريب الجامعة و أحداث 1980 التي ترمي إلى الاعتراف بالبعد الأمازيغي كأحد أبعاد الشخصية الوطنية و أحداث الجزائر العاصمة 1982 و قسنطينة 1986 و غيرها .
بعد عام 1989 تعددت التنظيمات الطلابية و اختلفت مشاربها السياسية و الإيديولوجية حيث ارتبط كل تنظيم بحزب سياسي معين متبنيا مبادئه و أهدافه ، وبقدرما عملت هذه التنظيمات على الدفاع عن حقوق الطالب فإن دفاعهاعن مبادئ الأحزاب التي تنتمي إليها كان أشد و أقوى و هو ما يبدو واضحا في الصراع بين التنظيمات التي تنتمي إلى أحزاب إسلامية و أخرى وطنية أو شيوعية و هو ما فتح المجال لصراع معلن زاد من أزمة الجامعة و أوهن قدرتها خاصة عندما نعلم أن هذه التنظيمات لها نفوذها الذي يمكنها من الضغط على الإدارة التي لا تجد سوى الرضوخ لمطالبها الملونة سياسيا و إيديولوجيا .
[i] - بوتومور توماس – علم الاجتماع و النقد الاجتماعي – ترجمة السيد الحسيني و علي ليلة – دار الثقافة للطباعة و النشر – القاهرة – 1981 – ص 255 .
[ii] - نفس المرجع – ص 255 .
[iii] - نفس المرجع – ص 259 .
[iv]- محمد علي محمد – الشباب و التغير الاجتماعي – دار النهضة العربية للطباعة و النشر – بيروت – لبنان – 1985 – ص95 .
[v] - عبد الله حمادي – الحركة الطلابية الجزائرية 1871 ، 1962 " مشارب ثقافية و إيديولوجية " – منشورات المتحف الوطني للمجاهد – ط 2 - دون سنة نشر – ص 45 .
[vi] - نفس المرجع – ص 45 .
[vii] - نفس المرجع – ص 52 .
[viii] - صالح بن القبي –" الحركة الطلابية و ثورة 01 نوفمبر 1954 المجيدة"- مجلة المجلس الإسلامي الأعلى - دورية في الثقافة الإسلامية – عدد 2 – 1999 – ص 406 .
[ix] - نفس المرجع – ص 410 .