الأحد، 27 نوفمبر 2022

علم الاجتماع " ذلك العلم المزعج"

 

 سفيان ميمون

مازلنا نردد مقولة بورديو الشهيرة عن علم الاجتماع باعتباره ذلك " العلم المزعج" ، مازال علم الاجتماع علما مزعجا فعلا لكن من وجهة نظر أخرى غير التي كان يقصدها بيير بورديو وخاصة في البلدان المتخلفة التي تفتقد لأدنى معايير الديمقراطية في التعبير وتكوين الجمعيات والمنظمات والانتساب إليها ، مازال علم الاجتماع علما مزعجا لأنه أصبح عالة على المجتمع وعلى الممارسة العلمية حينما تم تمييعه بطريقة أو بأخرى لم يكن خلالها التمييز بين علم الاجتماع والأدب واردا ، أو بين علم الاجتماع وعلم الاقتصاد مثلما نراه في طريقة تدريس علم اجتماع التنظيم وتنمية الموارد البشرية ، بل بين علم الاجتماع والشعودة مثما كان يسميها الدكتور عبد الرحمان بوزيدة حفظه الله ، هذه االشعودة التي يمارسها جلساء المقاهي قاطعين كل شك بصدق مايقولون ويقررون .

تدهور الممارسة السوسيولوجية وقبل ذلك الحس السوسبولوجي له علاقة بالانحطاط العلمي والمجتمعي طبعا ، لكن هذا التدهور أكثر ارتباطا بالتمييع الممنهج الذي يمارس بكيفية واعية أو غير واعية على مستويات عديدة ، من هذا مثلا ماكان خلال السنوات الماضية من فتح المجال في بعض الجامعات لتكوين طلبة الدراسات العليا في تخصص علم الاجتماع وهم يحملون شهادة الليسانس في تخصصات أخرى بعضها بعيد عن تخصص علم الاجتماع ، هذا الذي جعل الدكتور عبد الغني مغربي رحمه الله الذي فارقنا قبل أيام يثور على إدراج أحد الطلبة ضمن تخصص علم الاجتماع الثقافي في دفعتنا وهو الذي يحمل شهادة الليسانس في الشريعة متسائلا كيف يمكن تكوين سوسيولوجيين ليس لهم تكوين قاعدي في السوسيولوجيا ؟!!.

فعلا علم الاجتماع أصبح علما مزعجا نظرا للوضعية المزعجة التي أصبح عليها والتي جعلت منه مجموعة معارف يتم نقلها دونما حفر في الواقع الاجتماعي ومحاولة إبراز الأسباب الحقيقية التي تنتج الظواهر ، هذه الأسباب التي تتخفى في السياسي والأيديولوجي وفي المصالح والاستراتيجيات التي ترتدي ثيابا محاطا بالأشواك ، هذه الأشواك بالذات هي التي يشتغل عليها السوسيولوجي محاولا إزالتها بكلتا يديه ، لكن هذا كله لا أثر له على مستوى السوسيولوجيا الممارسة في بلداننا المتخلفة .

يكون علم الاجتماع علما مزعجا بالمعنى الذي قصده بورديو عندما يكون هناك علماء اجتماع " مزعجين" من خلال بحثهم عن "الحقيقة " والكشف عنها مثلما هي من دون تحريف أو تزوير ، ومن دون مداهنة للسياسي والإداري وصاحب القوة ، لكننا نشهد اليوم غيابا لعالم الاجتماع " المزعج" على مستوى الممارسة السوسيولوجية ، فلايمكن عمليا الحديث عن علم اجتماع مزعج في غياب علماء اجتماع مزعجين.

هناك عوامل موضوعية ساهمت في كسر شوكة علم الاجتماع وغيبت الضجيج الملازم لهذا العلم في البلدان المتخلفة منها غياب الديمقراطية في صورة حرية التعبير الناتجة عن الخوف الملازم للطبقات الحاكمة من كشف وتعرية مالا تريده أن ينكشف ويتعرى ، هذا الوضع الذي أنتج بالموازاة مع هذا ممارسين لسوسيولوجيا مداهنة ، تقرر ما تريده القوى الحاكمة والمسيطرة ، فينحصر دور السوسيولوجي في مجرد التبرير أو السكوت والانزواء في أحسن الأحوال. 

لقد أصبح علم الاجتماع علما مزعجا فعلا لأنه بعيد عن مستوى تطلعات المجتمع العلمي بما آل إليه من تمييع وتهميش ، ففي الوقت الذي تقدر فيه الدول المتقدمة هذا العلم والعلوم الاجتماعية عامة تشهد هذه العلوم احتقارا كبيرا وحطا من قدرها وقيمتها على جميع المستويات في بلداننا المتخلفة.

 نشر في  الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 

الرابط   https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=775645

الأحد، 20 نوفمبر 2022

مونديال قطر ، الحوار والهيمنة الثقافية..

 

سفيان ميمون 

كرة القدم لم تعد مجرد لعبة ، ففي ميدان اللعب تحضر السياسة والتجارة والثقافة ، تحضر معالم التضامن ونزعات السيطرة والهيمنة ، تحضر القوميات والعنصرية وصور التعالي العرقي ، ويحضر أيضا فوكوياما وهنتجتون رغم غيابهما ..

لا أحد ينكر استخدام كرة القدم كميدان للاستثمار التجاري والسياحي وكميدان للاشهار ، ولايمكن أيضا التغاضي عن كون الكرة أداة للتوجيه والحشد وإلهاء الشعوب من الناحية السياسية ، لكن الاستثمار في كرة القدم تخطى مثل هذه الاعتبارات التقليدية إلى اعتبارات أخرى أكثر عمقا وأكثر ارتباطا بهذا العصر المرن والسائل وفق تعبير زيجمونت باومان.

خلال الأشهر الأخيرة الماضية ارتدت بعض الفرق الأوروبية قمصانا عليها شعارات داعمة للمثليين ، يفرض على اللاعبين ارتداؤها ويعاقب منهم من يرفض ارتداءها وإن استند في ذلك إلى خلفية ثقافية مخالفة لفلسفة " دعم المثليين" ، لتكون ملاعب كرة القدم ميدانا للهيمنة الثقافية ولعولمة الشذوذ بقوة القانون .

حاولت بعض اللوبيات أن تكرس هذه الهيمنة ببعض الإملاءات التي تجعل قطر كبلد منظم لكأس العالم ميدانا لإبراز ثقافة الشذوذ ومعاقرة الخمر في الملاعب على حساب خلفيتها الثقافية ، هذا الذي أثار بعض ردود الفعل من الجانب القطري بإبداء مقاومة ثقافية وسياسية ، نزعات الهيمنة هذه ومايقابلها من مقاومة ثقافية تجلت بوضوح في بعض البرامج الحوارية لوسائل الإعلام الغربية بشكل خاص .
تبرز لنا هذه البرامج ووسائل الإعلام التي تنتجها والتي يرتبط بعضها بهذه اللوبيات قوة هذه الأخيرة وتغلغلها وقدرتها على التأثير وشرعنة القضايا التي تريد إبرازها وإثارتها ، كما تبرز لنا أيضا ومن خلال نزعات المقاومة وإثبات الشخصية الثقافية تطوير حوار ذي طابع ثقافي سياسي في الوقت نفسه يركن إلى استراتيجية ذكية في التعامل مع هذه الإملاءات الثقافية التي تسعى هذه اللوبيات إلى فرضها ، وقد رأينا بعض الخطابات من الجانب القطري في بعض وسائل الإعلام تحاول إثبات الشخصية الثقافية لدولة قطر وتعزيز موقفها السياسي باعتبارها دولة ذات سيادة ، مثل ضرورة منع الخمور في مدرجات الملاعب ، هذا الذي تجسد في قرار لدولة قطر ، رغم حضور الخمر خارج الملعب على مستوى بعض نقاط البيع ، وأيضا الترحيب بفئة المثليين في دولة قطر خلال المونديال لكن باعتبارهم مشجعين ، أي دون السماح لهم بممارسة بعض طقوسهم الخاصة والترويج لها خلال المونديال الذي يشاهده العالم بأسره .

تسعى دولة قطر - وهذه نقطة تحسب لها- إلى محاولة إبراز الثقافة العربية الإسلامية وهي بهذا تحاول استغلال ميدانها والاستثمار في حضور الاجناس المختلفة من جميع القارات لهذا الغرض ، هذا الميدان الذي تزاحمها فيه ثقافات أخرى وسياسات ولوبيات ، لكن قوة دولة قطر وتوفرها على منشآت قاعدية ضخمة أذهلت العالم كنتيجة للتسيير الرشيد للأموال والموارد البشرية جعل الدول الغربية ولوبيات الضغط والهيئات الدولية تحسب لها ألف حساب ، هذا الذي يبدو في خطاب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عشية المونديال والذي دعا فيه بعض الدول الغربية وبعض الجماعات إلى الكف عن انتقاد قطر وتذكيرهم بكيفية التعامل السيئة مع المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا .

كل المؤشرات توحي بأن قطر في طريقها إلى النجاح في المونديال وفي غيره وهي عازمة أيضا على تحقيق قفزات أخرى من خلال المونديال الذي يعتبر استثمارا مهما في مجالات عديدة يعتبر المجال الثقافي واحدا منها.

منشور في : الحوار المتمد يوم 19/11/2022عدد7437

الرابط   https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=774888