سفيان ميمون
كرة القدم لم تعد مجرد لعبة ، ففي
ميدان اللعب تحضر السياسة والتجارة والثقافة ، تحضر معالم التضامن ونزعات السيطرة
والهيمنة ، تحضر القوميات والعنصرية وصور التعالي العرقي ، ويحضر أيضا فوكوياما
وهنتجتون رغم غيابهما ..
لا أحد ينكر استخدام كرة القدم
كميدان للاستثمار التجاري والسياحي وكميدان للاشهار ، ولايمكن أيضا التغاضي عن كون
الكرة أداة للتوجيه والحشد وإلهاء الشعوب من الناحية السياسية ، لكن الاستثمار في
كرة القدم تخطى مثل هذه الاعتبارات التقليدية إلى اعتبارات أخرى أكثر عمقا وأكثر
ارتباطا بهذا العصر المرن والسائل وفق تعبير زيجمونت باومان.
خلال الأشهر الأخيرة الماضية ارتدت
بعض الفرق الأوروبية قمصانا عليها شعارات داعمة للمثليين ، يفرض على اللاعبين
ارتداؤها ويعاقب منهم من يرفض ارتداءها وإن استند في ذلك إلى خلفية ثقافية مخالفة
لفلسفة " دعم المثليين" ، لتكون ملاعب كرة القدم ميدانا للهيمنة
الثقافية ولعولمة الشذوذ بقوة القانون .
حاولت بعض اللوبيات أن تكرس هذه
الهيمنة ببعض الإملاءات التي تجعل قطر كبلد منظم لكأس العالم ميدانا لإبراز ثقافة
الشذوذ ومعاقرة الخمر في الملاعب على حساب خلفيتها الثقافية ، هذا الذي أثار بعض
ردود الفعل من الجانب القطري بإبداء مقاومة ثقافية وسياسية ، نزعات الهيمنة هذه
ومايقابلها من مقاومة ثقافية تجلت بوضوح في بعض البرامج الحوارية لوسائل الإعلام
الغربية بشكل خاص .
تبرز لنا هذه البرامج ووسائل الإعلام التي تنتجها
والتي يرتبط بعضها بهذه اللوبيات قوة هذه الأخيرة وتغلغلها وقدرتها على التأثير
وشرعنة القضايا التي تريد إبرازها وإثارتها ، كما تبرز لنا أيضا ومن خلال نزعات
المقاومة وإثبات الشخصية الثقافية تطوير حوار ذي طابع ثقافي سياسي في الوقت نفسه
يركن إلى استراتيجية ذكية في التعامل مع هذه الإملاءات الثقافية التي تسعى هذه
اللوبيات إلى فرضها ، وقد رأينا بعض الخطابات من الجانب القطري في بعض وسائل
الإعلام تحاول إثبات الشخصية الثقافية لدولة قطر وتعزيز موقفها السياسي باعتبارها
دولة ذات سيادة ، مثل ضرورة منع الخمور في مدرجات الملاعب ، هذا الذي تجسد في قرار
لدولة قطر ، رغم حضور الخمر خارج الملعب على مستوى بعض نقاط البيع ، وأيضا الترحيب
بفئة المثليين في دولة قطر خلال المونديال لكن باعتبارهم مشجعين ، أي دون السماح
لهم بممارسة بعض طقوسهم الخاصة والترويج لها خلال المونديال الذي يشاهده العالم
بأسره .
تسعى دولة قطر - وهذه نقطة تحسب لها- إلى محاولة إبراز الثقافة العربية الإسلامية وهي بهذا تحاول استغلال ميدانها والاستثمار في حضور الاجناس المختلفة من جميع القارات لهذا الغرض ، هذا الميدان الذي تزاحمها فيه ثقافات أخرى وسياسات ولوبيات ، لكن قوة دولة قطر وتوفرها على منشآت قاعدية ضخمة أذهلت العالم كنتيجة للتسيير الرشيد للأموال والموارد البشرية جعل الدول الغربية ولوبيات الضغط والهيئات الدولية تحسب لها ألف حساب ، هذا الذي يبدو في خطاب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عشية المونديال والذي دعا فيه بعض الدول الغربية وبعض الجماعات إلى الكف عن انتقاد قطر وتذكيرهم بكيفية التعامل السيئة مع المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا .
كل المؤشرات توحي بأن قطر في طريقها إلى النجاح في المونديال وفي غيره وهي عازمة أيضا على تحقيق قفزات أخرى من خلال المونديال الذي يعتبر استثمارا مهما في مجالات عديدة يعتبر المجال الثقافي واحدا منها.
منشور في : الحوار المتمد يوم 19/11/2022عدد7437
الرابط https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=774888
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق