الجمعة، 4 مايو 2012

الموضوعات الأساسية في الأنثروبولوجيا :
       اتضح من الدروس السابقة أن الموضوع الأساسي للأنثروبولوجيا بشكل عام هو الإنسان بكل نواحيه ، فجسم الإنسان في ذاته ونشأته وتطوره هو موضوع الأنثروبولويا الفيزيقية بينما علاقات الإنسان وسلوكه ومختلف التفاعلات التي تنتج عن اتصاله بالآخرين هي موضوع الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية ، وكما اتضح لنا من قبل فإن الأنثروبولوجيين الأوائل عمدوا إلى دراسة المجتمعات البدائية البسيطة في تركيبتها وثقافتها فكان المجتمع البسيط والذي وصف بالبدائي هو الموضوع الأساسي الذي وجهت إليه أنظار الأنثروبولوجين قبل أن يتجهوا لدراسة المجتمعات صغيرة الحجم وإن كانت زمانا ومكانا ضمن المجتمعات المعاصرة ، وفي هذا الصدد نذكر أن رادكليف براون مثلا حدد مجال دراسة الأنثروبولوجيا في مقال له عن المنهج عام 1923 بالمجتمعات البدائية لكنه عاد سنة 1944 ليجعل من جميع أنماط المجتمع الإنساني مجالا للدراسة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية ، وهو نفس الموقف الذي أبداه إيفانز بريتشارد الذي رأى بأن الأنثروبولوجيا هي " فرع من الدراسات الاجتماعية يتخد من المجتمعات الانسانية جميعا ( بأنماطها المختلفة ) موضوعا له ، وإن كان يركز على دراسة النمط التقليدي منها " .
والواضح أن الموضوع الأساسي للأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بشكل خاص يتراوح بين الاتجاه لدراسة البناء الاجتماعي ومختلف النظم والأنساق الاجتماعية التي تكونه ووظيفة هذه النظم ، إضافة إلى دراسة الثقافة بمكوناتها المختلفة ، وفيما يلي نحاول أن نورد بعض هذه الموضوعات :
1/ الثقافة : وهي من الموضوعات الأساسية في الأنثروبولوجيا باعتبار هدف هذه الأخيرة التي ترمي إلى فهم ثقافة الشعوب ومختلف التمايزات الموجودة بينها .
أ/ مفهوم الثقافة : الثقافة من وجهة النظر الأنثروبولوجية كما ترى الدكتورة سامية حسن الساعاتي هي " مجمل التراث الإنساني أو هي أسلوب حياة المجتمع "  وقد عرفت الثقافة وفق طريقة التحليل فهناك تعريفات وصفية ، وتاريخية وسيكولوجية ...الخ ، ولعل أشهر تعريف أجمع المهتمون بالثقافة على شموليته هو تعريف إدوارد تايلور في كتابه " الثقافة البدائية" عام 1871 " الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعلومات والمعتقدات والفن والأخلاق والعرف والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوا في مجتمع " .
ب/ عناصر الثقافة ومكوناتها : تقسم الثقافة عادة بحسب العناصر المكونة لها إلى ثقافة مادية وثقافة لا مادية (روحية معنوية ) فتشمل عناصر الثقافة اللامادية الفنون والأفكار والمعتقدات والعادات كما تشمل عناصر الثقافة المادية الآلات والمعدات والوسائل ...وهذا التقسيم هو الذي يفصل بين لفظي ثقافة وحضارة لدى البعض ( المدرسة الألمانية ) إذ تتصل الثقافة بالجانب الروحي بينما تتصل الحضارة بالجانب المادي عكس المدرسة الفرنسية التي  مزجت بين اللفظتين حين ظهورهما ، إذ تشيران  ( ثقافة وحضارة ) إلى الجانبين معا .
ويلجأ الأنثروبولوجيون وعلماء الإجتماع إلى تحليل الثقافة بحسب ما يشكلها من عناصر حيث : - السمة أو العنصر الثقافي هي أصغر وحدة في الثقافة  ليس ثمة ماهو أصغر منها( مثلا : قوس – فكرة .....)
- النموذج ( المركب الثقافي ) مجموعة من العناصر والسمات الثقافية المترابطة فيما بينها (مثلا : قوس + سهم + حقيبة ..)
- النظام وهو عدد من النماذج والمركبات الثقافية المترابطة فيما بينها ( مثلا : مركب ركوب الخيل + مركب مكان الصيد = نظام الصيد )
وترتبط النظم بعضها ببعض من خلال الأنساق الثقافية حيث يتشكل كل نسق من مجموعة من النظم التي يعتمد ويكمل بعضها البعض فنظام الصيد ونظام الزراعة ونظام التجارة تشكل النسق الإقتصادي ، وأخيرا فإن الثقافة تشمل مختلف هذه النظم والأنساق ومكوناتها .
ويقوم البعض بتجميع الثقافة في ثلاثة قطاعات كبرى بناء على نظرة " هوايت " للثقافة التي ترتب عناصر الثقافة في ثلاثة مواقع هي :
 - الأشخاص ( وما يتعلق بهم من عقائد واتجاهات و أفكار ...)
- الأشياء ( كل ماهو مادي محسوس )
- العلاقات بين البشر وبين البشر والأشياء
كما يقسم البعض الثقافة إلى :
     - عموميات : وهي الثقافة التي تشمل المجتمع كله
-         خصوصيات : وهي ثقافة جماعة محددة داخل المجتمع
-         البدائل أو التغيرات : وهي جملة العناصر الثقافية التي تدخل على الخصوصيات أو العموميات فتحدث فيهما تغيرا ثقافيا
ج / وظيفة الثقافة : يرى مالينوفسكي أن الوظيفة الأساسية للثقافة هي إشباع الحاجات الأساسية للإفراد ، فإذا كانت الثقافة هي كل شيء يضاف إلى ماهو خام وطبيعي ، وإذا كانت الطبيعة الإنسانية مثلا تستدعي الأكل والنوم والجنس في الجانب البيولوجي فإن الثقافة هي الكيفية التي تشبع بها هذه الطبيعة ( طريقة الأكل وكيفية النوم ...) وكذلك في جوانب الحياة الأخرى كالجانب النفسي مثلا حيث الحاجة إلى الأمن هي الطبيعة وإيجاد وسائل الدفاع عن النفس تمثل الثقافة .
وهناك وظيفتان  أساسيتان للثقافة :
1 – الوظيفة الاجتماعية : وتتضمن تجميع الناس في عالم عقلي أخلاقي مشترك يشعرهم بانتمائهم الواحد فتضمن من خلال هذا استمرار ووحدة المجتمع ، كما تزود الأفراد بالأهداف والآمال وتقدم لهم تفسيرات مسلم بها عن المحيط والعالم.
2- الوظيفة النفسية : وترمي إلى قولبة شخصيات الأفراد من خلال تزويدهم بأنماط السلوك وتمكينهم من طرق التعبير عن العواطف والانفعالات .
د- خصائص الثقافة : هناك اتفاق بين المهتمين بالثقافة حول بعض الخصائص أهمها:
-         الثقافة اجتماعية ومكتسبة : تكتسب من المجتمع عن طريق التعلم .
-         إنسانية : أنها من سمات الإنسان دون غيره من الكائنات .
-         انتقالية : تنتقل بين المجتمعات والأجيال
-         أفكار وأعمال : فهناك جانب روحي فكري للثقافة وجانب مادي ملموس
-         متنوعة الشكل مختلفة المضمون : فلكل مجتمع لغة ودين وعادات لكن هناك اختلاف في طبيعة هذه العناصر بين المجتمعات .
-         متغيرة : فالثقافة تتغير من خلال عمليات الاتصال والاحتكاك الثقافي وعمليات التعديل والتطور.
2/ البناء الاجتماعي :
     وهو من الموضوعات الأساسية  في الدراسات الأنثروبولوجية ويشير إلى تلك المجموعة من الأطر التنظيمية التي تنتظم في إطارها كافة العلاقات الإنسانية التي تجمع بين الأفراد في مجتمع ما أو التي تتعدى حدود المجتمع الواحد ، ويشير البناء الاجتماعي إلى النظام الاجتماعي العام الذي يتكون من مجموعة من  النظم الفرعية التي تتشكل بدورها من مجموعة من الظواهر والعلاقات الاجتماعية .
أ‌-       مفهوم البناء الاجتماعي عند رادكليف براون  : يرى براون أن البناء الاجتماعي هو "شبكة من العلاقات الاجتماعية الفعلية التي تقوم بين سائر الأشخاص في المجتمع "  لقد جعل براون من العلاقات الثنائية وحدات بنائية أساسية ( أي اجزاء أساسية من الباء الكلي للمجتمع ) كعلاقة الأب بالإبن مثلا ، ولكن براون يحاول التفريق بين مصطلحي الإنسان كفرد والإنسان كشخص ، فالإنسان كفرد هو ذلك الكائن العضوي البيولوجي عكس الإنسان كشخص الذي هو عبارة عن تلك المجموعة من العلاقات الاجتماعية التي يمارسها انطلاقا من أدواره المختلفة في المجتمع فالشخص مواطن وزوج وأب .........
ب‌-  البناء الاجتماعي عند إيفانز بريتشارد : يعني بريتشارد بالبناء الاجتماعي تلك العلاقات التي تربط بين الجماعات والتي تتميز بدرجة عالية من الثبات والتركيب ، أي أنه يقصد استمرار الجماعات و استمرار أنماط العلاقات التي تربطها بغض النظر عن الأفراد الذين يؤلفونها ، فالأفراد يولدون و يموتون بينما الجماعات كأطر تحتضن أنماط السلوك و العلاقات فباقية .
لذلك يختلف بريتشارد عن براون في عدم اعتباره بأن الأسرة هي وحدة بنائية (جزء أساسي) للبناء الكلي لأنها تتألف من علاقات بين أشخاص محدودي العدد ( الأب و الابن مثلا) فتنتهي هذه العلاقات بموت أفراد هذه الأسرة أما الجماعات فباقية .
و يرتبط مفهوم البناء الاجتماعي بكل من مفهوم النظام الاجتماعي و النسق الاجتماعي ، فإذا كان البناء الاجتماعي هو ذلك الكل المركب من أجزاء منتظمة حيث تمثل هذه الأجزاء مختلف أنماط السلوك و الظواهر، أما النسق فهو كما يرى كونديلاك (CONDILLAK) ،ذلك "النظام الذي تتساند فيه مختلف الأجزاء بصورة متبادلة " أي أن النسق الاجتماعي يشير إلي الاعتماد المتبادل و التشابك و التفاعل الحاصل بين عدد من النظم و الأجزاء .
ج_ البناء و الوظيفة :
    و يرتبط البناء في استقراره و استمراره بالوظائف التي تؤديها الأجزاء (النظم) المكونة له ،( النظام السياسي و الاقتصادي ، نظام القرابة ، نظام العائلة.........) فوظائف أجزاء البناء الاجتماعي تشبه الوظائف التي تؤديها أجزاء الكائن الحي لذلك كانت محاولة فهم البناء الاجتماعي من منطلق الوظيفة التي تؤديها النظم المختلفة و بتأثير واضح من الدراسات البيولوجية، فالمدرسة الوظيفية تهتم بوظيفة النظم ضمن الواقع الاجتماعي دون الرجوع إلى الماضي و محاولة تتبع تاريخ هذه النظم كما كان الحال خلال البدايات الأولى للأنثروبولوجيا ، و على العموم فإن  وظائف النظم تتجلى في العلاقات و التفاعلات القائمة داخل هذه النظم و القائمة فيما بينها أيضا ، و من خلال ذلك يمكن للبناء الكلي أن يبقى و يستمر .
3/ نظام القرابة :
ويعد نظام القرابة من الموضوعات الأساسية في الأنثروبولوجيا لأنه المجال الذي يتم بمقتضاه التعرف على طبيعة علاقات الاتصال عبر قنوات الأسرة و الزواج و القوانين التي تحكمهما لذلك يعتبر الزواج و نظام الأسرة إحدى أهم النظم الداخلة في تشكيل النظام القرابي العام و يعد النظام القرابي من الموضوعات الأولى التي تم تناولها في السياق الأنثروبولوجي ، فقد عني به لويس مورغان في كتابه " أنظمة قرابة العصبية و النسب للأسرة البشرية" عام 1871 ، كما اهتم به كل من مارسيل موس و راد كليف براون من الأنثروبولوجيين الأوائل أما اللاحقين فكانت لإسهامات كلود ليفي ستروس (1908-2009) الفضل الكبير في تطور هذا المجال .
أ‌-       مصطلحات القرابة :
                  تتعدد مصطلحات القرابة تبعا لتعدد المجتمعات لكن يمكن تصنيفها إلى قسمين أساسيين :
-         مصطلحات القرابة التصنيفية أو الطبقية :و هي تتأسس على الفئات و الطبقات العمرية فهناك طبقة الأجداد و طبقة الأبناء و طبقة الأحفاد ....
-         مصطلحات القرابة الوصفية :و تتأسس على الوصف الحقيقي للعلاقة القرابية دون تصنيف فهناك الأب و الأم و الأخ و الأخت .........، و من هذا المنطلق كانت هناك بعض الأسس التي تحدد وفقها مصطلحات القرابة
ب‌-  بعض أسس التصنيف القرابي :
 تصنف القرابة و مصطلحاتها على أساس :
               -الجيل :فهناك جيل الأجداد و الآباء و جيل الشخص و جيل أبنائه ....
               - الجنس : و يتم التفريق بين الأقارب تبعا للجنس (ذكر ، أنثى)
               - المصاهرة :و يرتبط بطبيعة الزواج و بدرجة تقبل بعض الأصهار البعيدين نسبيا.
               - خط النسب : حيث يتم التمييز بين التسلسل القرابي المباشر ( جد ، خال ، عمة،
                خالة ....) والتسلسل القرابي غير المباشر ( عم ، خال ، عمة ، خالة ) ......إلخ .
و في تحليل النظام القرابي يتم الرجوع إلى الأنماط المختلفة للزواج و أنواعه و تصنيف الأسر و أنواعها ، ففي مجال الزواج نجد أن هناك نمطين بارزين :    
-         النمط الأول : هو نمط الزواج الاغترابي ( الزواج من خارج المجموعة القرابية )
  
  -         النمط الثاني : و هو نمط الزواج الداخلي حيث الزواج من داخل المجموعة القرابية
أما الأسرة فنجد أنها تتكون بدورها من عدة أنماط لكن أبرزها هي :
-         نمط الأسرة النووية أو الأحادية : تتكون من الزوج و الزوجة و الأبناء و يشتمل هذا النمط على جيلين اثنين ( جيل الآباء و جيل الأبناء).
-         نمط الأسرة المتعددة : و تتكون من مجموعة من الأسر النووية و تشمل على أجيال كثيرة ( جيل الأجداد و الآباء و الأبناء و الأحفاد .....) و هناك العديد من أنماط الأسر كالأسرة متعددة الأزواج ، و الأسرة متعددة الزوجات .....إلخ.
ج- القرابة عند كلود ليفي ستروس : ترتكز القرابة عند ليفي ستروس على كيفية نشأة الأسرة ، فالعنصر الأساسي في تشكيل الأسرة عنده هو الخال  و بهذا و من منطلق اهتمام ليفي ستروس بالبنيات المتحكمة في الظواهر تكون البنية" الخالية " ( نسبة إلى الخال ) هي المتحكم الأساسي في ظهور الأسرة و ذلك نظرا لأن أي مجتمع يقوم أساسا على قاعدة " تحريم زواج المحارم" و هي القاعدة التي تحرم على الرجل من الزواج بأخته فيقوم بالتنازل عنها إلى رجل آخر كما يتزوج هو من إمرأة أخرى ، ويرى ليفي ستروس أن هذه القاعدة التي تعادل " البنية الخالية " هي بمثابة قانون ذهني عقلي حاضر في اللاوعي الانساني ، و هي البنية الأساسية المتحكمة في تنظيم الأسرة .  
و إذا كانت موضوعات الثقافة و البناء الاجتماعي و نظام القرابة موضوعات أساسية للدراسة الأنتروبولوجية فإن هناك نظم أخرى لا تقل أهمية عنها كالنظام الديني و النظام السياسي و الاقتصادي ....إلخ ، و هي كلها محل للدراسة في مجال الأنثروبولوجيا .

هناك 5 تعليقات: