الجمعة، 4 مايو 2012


الاتجاهات و النظريات الأساسية في الأنثروبولوجيا :
     منذ أن استقرت الأنثروبولوجيا علما قائما بذاته برزت العديد من الاتجاهات تناول الأنثروبولوجيون انطلاقا منها مختلف الموضوعات الأنثروبولوجية و لقد كانت نظرية التطور في مجال البيولوجيا و التي أسس دعائهما " تشارلز داروين" ملهما حقيقيا للأنثروبولوجيين الأوائل الذين تناولوا  الثقافة و المجتمع بنظرة تطورية ، لكن أسس التفسير تعددت باتساع الدراسات في الحقل الأنثروبولوجي و بروز اتجاهات و نظريات اجتماعية لها القدرة على التحليل و التفسير ، ولعل أهم اتجاهات و نظريات دراسة الأنثروبولوجيا ما يلي :
1/ الاتجاه التطوري :
كان هذا الاتجاه قد احتضن نشأة الأنثروبولوجيا حين ظهورها كعلم خلال القرن الـ 19 م فكان الأنثربولوجيون يحاولون فهم كيفية نشأة و تطور المجتمعات و ثقافتها فحسب التطوريين يمثل تاريخ الانسانيىة و تاريخ الثقافة بما يضم من عادات و تقاليد و تنظيمات .... خطا متصاعدا كما أن البشرية تمر بمراحل خلال تطورها التاريخي فتتدرج من الأشكال البسيطة إلى الأشكال المعقدة إلى الأكثر تعقيدا ، و هذه السيرورة ملازمة لكل المجتمعات و الثقافات نتيجة الوحدة النفسية المشتركة بين البشر.
يرى لويس مورغان( 1818-1881 )  أن المجتمعات تمر بمراحل تطورية حيث كل مرحلة تشكل نمطا معينا طبقا لمراحل التطور التي تتمظهر في طبيعة العلاقات الاجتماعية و طبيعة النظم التي تميزها ، فكل المجتمعات عنده تخضع في تطورها لقانون واحد طالما أن تاريخ الجنس البشري و أصل الإنسانية واحد ، و عليه يصل مورغان إلى أن البشرية تطورت عبر ثلاث مراحل أساسية :
1-    مرحلة التوحش ( الهمجية ) : و يقسمها إلى ثلاثة مراحل هي مرحلة التوحش الدنيا و مرحلة التوحش الوسطى و مرحلة التوحش العليا و يوضح مورغان أن هناك ارتقاء ثقافي خلال الانتقال عبر كل مرحلة في تقنيات العيش و النظم الاجتماعية .
2-    مرحلة البربرية و تنقسم بدورها إلى ثلاث مراحل دنيا و وسطى و عليا .
3-    مرحلة المدنية ( الحضارة) و هي التكي تتميز باختراع الكتابة و الحروف الهجائية و هي مازالت ممتدة إلى اليوم .
كما يعد إدوارد تايلور (1832-1917) واحدا من رواد هذا الاتجاه حيث اعتبر أن الثقافة عنصر مساعد لفهم التاريخ الإنساني طالما أنها ظاهرة تاريخية تميز الانسان دون غيره  و يكتسبها بالتعلم من المحيط الذي يعيش فيه ، و بهذا المعنى تكون الثقافة هي حصيلة ما يكتسبه الفرد في المجتمع ، و من هذا المنطلق يرى تايلور أن " دراسة الثقافة هو دراسة تاريخ تطور الفرد في المجتمع باعتبارها العملية التاريخية العقلية لتطور عادات الانسان و تقاليده من حالتها غير المعقدة إلى حالتها المعقدة فالأكثر تعقيدا " ، كما يعتقد تايلور بتطور فكر الإنسان في مجال الاعتقاد ، ففي البدء بدأ الانسان بمحاولة التفكير في القرين الملازم لجسم الانسان و هو الروح ثم تدرج إلى وجود أرواح تسكن الطبيعة مثل الروح التكي تسكن جسد الانسان ، فقام بتأليه هذه الأرواح لكنه اهتدى أخيرا إلى فكرة الإله الواحد كمرحلة أخيرة تعبر عن منتهى تفكير الإنسان و يبدو أن مراحل التطور لم تكن حتمية ملزمة بالنسبة لتايلور كما كان الحال عند لويس مورغان في عده لمراحل التطور البشري ، و رغم تصنيف تايلور ضمن الاتجاه التطوري إلا ان آراءه لم تخل من القول بانتشار الثقافة فهي حسبه" مثل النباتات تتصف بالانتشار أكثر من كونها تتطور ، فالناس أخذوا من جيرانهم أكثر مما اخترعوا و اكتشفوا بأنفسهم " .
كما كانت إسهامات جيمس فرايزر (1854-1941) في مجال التطور بتطرقه إلى تطور المجتمعات من خلال ثلاث محطات هي : السحر و الدين و العلم ....إلخ.
2/الاتجاه التاريخي : ويتزعمه العالم الألماني فرانز بواز ( 1858-1942) والذي كان رائدا لهذا الاتجاه في أمريكا وبفضله تم الانتقال من النظرة الخطية التطورية للتاريخ كما كانت عليه نظريات التطوريين إلى دراسة ثقافات محددة كثقافة العشائر و القبائل مع التأكيد على ضرورة دراسة هذه الثقافات في إطار منطقتها الإقليمية الثقافية ، و الهدف من ذلك هو معرفة أصول و تواريخ الثقافات و تحديد خصائصها و لكن الهدف الأسمى يتجلى أخيرا في المقارنة بين هذه التواريخ و التي تميز هذه الثقافات من أجل الوصول إلى القوانين العامة التي تحكم نموها و تطورها .
3-   الاتجاه الانتشاري : يرى أصحاب هذا الاتجاه ان الاتصال بين الجماعات و الشعوب أدى إلى انتشار بعض السمات الثقافية ، فعملية الانتشار الثقافي تنطلق من مركز ثقافي إلى باقي المناطق كما أن الانتشار يتم أيضا من خلال انتقال السمات الثقافية من جماعة سابقة إلى جماعة لاحقة ، و تعتبر فكرة " المنطقة الثقافية " التي طورها "وسلر " ( تلميذ بواز) أداة هامة في دراسة الثقافة  و جوهرها تقسيم و تصنيف ثقافات العالم إلى مجموعات ثقافية بناء على تشابه العناصر الثقافية التي تكونها ، و المنطقة الثقافية إقليم يضم مجتمعات إنسانية متشابهة الثقافة ، و من أجل تحديد و تمييز منطقة عن أخرى يتم تتبع مدى انتشار العناصر الثقافية المميزة لتلك الثقافة ( طرق و أدوات الصيد ، طهي الطعام .....) مثلما فعل الأمريكي "سابير" الذي حاول تحديد مدى انتشار عناصر " رقصة الشمس " عند هنود السهول بأمريكا الشمالية ، و في أنجلترا برز من يقول بوجود مركز للثقافة تنطلق منه إلى باقي أنحاء العالم و خير مثال على هذا العلامة " إليوت سميت"  الذي رأى بأن مصر القديمة هي مركز كل الثقافات الحالية حيث انتشرت العناصر الثقافية من مصر إلى باقي أنحاء العالم ، فقد كانت نظرة سميت هذه مؤسسة على تشابه الآثار المختلفة في العالم مع الآثار التي اكتشفها عالم الآثار " بتري" كنظم القرابة و فن التحنيط و عبادة الشمس ....إلخ .
4-   الاتجاه التناسقي التكاملي :  و مفاده ضرورة النظر إلى الثقافة ككل متكامل يجمع بين  الأفكار و المشاعر من جهة و السلوك الظاهر من جهة ثانية ، و قد كان " سابير " من الممهدين لهذا الاتجاه من خلال نظرته للثقافة في صورة تفاعل الأفراد فيما بينهم و ما ينتج عن ذلك من معان و مشاعر مشتركة لذلك يعرف الثقافة بأنها كل متكامل من أنماط فكر و عواطف و أنماط عمل "، و تعد العالمة الأمريكية " روت بندكت" واحدة من أهم الممثلين لهذا الاتجاه و يتجلى ذلك في قولها بأن الثقافة مثل الفرد لديها نمط متناسق من الفكر و العمل ، كما أنه لفهم الثقافة لابد من الأخذ في الاعتبار الاتجاهات العقلية و الشعورية السائدة فيها و القيم و الأهداف المشتركة بين أفراد المجتمع الذي تتم فيه دراسة الثقافة ، ففي دراستها لبعض القبائل الهندية في جنوب غرب أمريكا الشمالية وجدت بندكت اختلافا بين القبائل فمنها التي تركز على المظهر الخارجي للسلوك و تهتم بالطقوس و احترام العادات و التقاليد أطلقت عليها اسم " ثقافات منبسطة " و منها التي تتميز بالعدائية و تعطي للدافع النفسي الداخلي أهمية أكبر من العوامل الخارجية و أطلقت عليها اسم " ثقافات منطوية " و الوصول إلى فهم ثقافة ما لابد أن يأخذ في الاعتبار السلوك الظاهري في صوره المتكررة و مختلف الاتجاهات العقلية الشعورية في تناسقها و تكاملها .
5-   الاتجاه البنائي الوظيفي : يعد البناء و الوظيفة من المفاهيم  المحورية في تحليل المجتمع و في الأنثروبولوجيا الاجتماعية يشير مفهوم البناء الاجتماعي إلى " مجموعة العناصر التي تقوم بينها علاقات تعبر عن كل العمليات القائمة بين هذه العناصر " و قد كان لـ " راد كليف براون" الدور الأكبر في بلورة هذا المفهوم فهو يشير عنده إلى" نوع من الترتيب بين الأجزاء التي تدخل في تركيب الكل وذلك لأن ثمة علاقات وروابط معينة بين الأجزاء التي تؤلف الكل وتجعل منه بنية متماسكة " وتشير الأجزاء المشكلة للكل إلى مختلف النظم الاجتماعية كما تشير حسب براون إلى الأشخاص ( أب – أخ ..) باعتبار علاقاتهم الاجتماعية وليس الأفراد باعتبارهم كائنات بيولوجية ، ويدرس البناء الاجتماعي مرتبطا بالوظيفة ، فالوظيفة هي " الدور الذي تؤديه الأجزاء (البناء الفرعي) داخل البناء الكلي للمجتمع" .
وقد اهتم مالينوفسكي بالوظيفة التي تؤديها الثقافة فهي حسبه تعمل على إشباع حاجات الأفراد في جميع النواحي ، كما أن النظم الاجتماعية المختلفة تؤدي وظائف مختلفة كل حسب طبيعته كالنظام الاقتصادي الذي يؤدي وظيفة توفير الحاجات الغذائية  والنظام الديني الذي يؤدي وظيفة الضبط الاجتماعي ...الخ ، وهذه الوظائف تؤدي مجتمعة إلى تحقيق الوظيفة العامة للبناء الكلي وهي المحافظة على بقائه واستمراره .
6-   الاتجاه البنيوي الأنثروبولوجي : ويتزعم هذا الاتجاه العالم الأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس ، وتحيل البنيوية إلى وجود بنيات تتحكم في العلاقات والظواهر الاجتماعية ولئن كانت أعمال ليفي ستروس منصبة على المجتمع وظواهره ( المجتمعات البسيطة وظواهرها كأنماط القرابة والأساطير ...) فإنه استمد مفهوم البنية من حقل اللغة ومن أعمال فرديناند دي سوسير التي تركز على اللغة كنسق نحوي شكلي يتكون من بنيات (كلمات وجمل) وهذا التناسق هو الذي يحدد المعنى ،  يستعير ليفي سروس من الألسنيين طريقتهم في دراسة اللغة ليطبقها على المجتمع فيقول في هذا السياق " إننا نريد أن نتعلم من الألسنيين سر نجاحهم ، ألا يسعنا نحن أيضا أن نطبق على هذا الحقل الذي تدور فيه أبحاثنا ( القرابة – التنظيم الاجتماعي – الدين – الفلكلور- الفن ..) تلك المناهج الصارمة التي تبرهن الألسنية كل يوم على فعاليتها " ، إذا حسب ليفي ستروس هناك بنيات أساسية تتحكم في سيرورة المجتمع ، فإذا كانت مختلف النظم والأجزاء المجتمعية بالنسبة للأنثروبولوجيين هي البنيات الأساسية المتحكمة في المجتمع فإن هذه البنيات حسب ليفي ستروس تخفي خلفها  البنيات الحقيقية المتحكمة في الواقع الاجتماعي ، لكن البنية الأساسية حسبه والتي تتخفى خلف هذه البنيات هي بنية العقل الإنساني كبنية نهائية لا شعورية ، وإذا كان الضمير الجمعي عند دوركايم واللا شعور عند فرويد هو المتحكم في الظواهر الاجتماعية والانسانية فإن بنية العقل وتركيبته هي المتحكمة في مختلف أنماط التفكير ونظم القرابة والدين وغيرها لدى كلود ليفي ستروس

هناك 33 تعليقًا:

  1. بارك الله فيكم ..شكراااا

    ردحذف
  2. ممكن مراجع لهذا المقال

    ردحذف
  3. هل الاتجاه هو النظرية بمعنى مثل بعض

    ردحذف
    الردود
    1. نعم اخي الاتجاه او النظرية او التيار في تحمل نفس المضمون لكن الصيغة متغيرة فقط

      حذف
    2. اخي انا عندي بحث عالتيار التطوري والانتشاري ،ياريت تعطيني المرجع لي استندت اليه ، او تقدملي البحث ان امكن وشكرا

      حذف
  4. هل التيارات نفسها الاتجاهات ام لديها مصطلح اخر

    ردحذف
  5. مراجع من بضلك اخي و بسرعة

    ردحذف
  6. ممكن بحث حول الاتجاه الانتشاري

    ردحذف
  7. سلام حبيت تحطولي علا تيارات الانثربولوجيا الحديثة

    ردحذف