السبت، 29 فبراير 2020

السوسيولوجي والطقس الديني


سفيان ميمون

من حق رجل الدين أن يخوض في الطقس الديني فيعمل على توصيفه وبيان ما هو مقبول وما هو مرفوض وفقا للمبادئ الدينية لدين معين ، ومن حق رجل الدين أيضا أن يعمل على توجيه السلوكات الدينية  فذلك عمله، حيث يعمل رجل الدين في مجال الدعوة فيكون سبيله أن يدعو الناس لفعل على حساب فعل آخر ويوجههم لسلوك ويحذر هم من سلوك آخر ، غير أن  مجال اشتغال السوسيولوجي يمنعه من  تقديم الأحكام الجاهزة وتقمص دور رجل الدين من خلال إبداء الرأي حول الطقس الديني بتحريمه والقول بمخالفته للعقيدة الدينية، ببساطة لأن السوسيولوجي له منطق آخر يختلف عن منطق رجل الدين ، السوسيولوجي هو الذي يشتغل على الطقس الديني باعتباره فعلا اجتماعيا له أسبابه وله سياقاته الاجتماعية والثقافية ، وله خلفياته الأيديولوجية والسياسية ، على السوسيولوجي أن يرجع إليها محاولا فهمها بالرجوع إلى الأدوات المنهجية والأطر النظرية التي طورت في حقل علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية عامة .
لا يمكن أن يطلب من السوسيولوجي بأن يتنصل من عقيدته الدينية أو أن يطلب منه ألا يدافع عما يعتقد وألا يعبر عن عاطفته الدينية ، كلا فهذا حقه كمواطن ، وهو كذلك – أي كمواطن – له كامل الحرية في التعبير عن عاطفته الدينية وعن آراءه ومواقفه ، ولكن الأمر مختلف تماما باعتباره مختصا في مجال علم الاجتماع ، لأنه وهو على هذا الوصف مقيد بما يقرره هذا التخصص من مبادئ علمية ولعل أهم هذه المبادئ أن يحاول تحليل الظاهرة دون أن تحتويه الظاهرة محل الدراسة، أي أن يحاول التحرر من قبضة الظاهرة قدر المستطاع ذلك الذي وسمه دوركايم ب" شيئية الظاهرة الاجتماعية " ودعا خلاله إلى إبعاد الأحكام المسبقة خلال عملية التحليل ، وذلك أيضا مادعت إليه المدرسة النقدية بزعامة ماكس فيبر ، فالأحكام المسبقة غير مستساغة في مجال علم الاجتماع وإن كانت المدرسة النقدية قد أعادت الاعتبار إلى الذات غير أن هذه الذات تقدم نفسها فقط كأساس لفهم الفعل والسلوك الإنساني من خلال عوامل الخبرة والقيم والمعارف التي تترسخ لدى السوسيولوجي .
يتناسى بعض المشتغلين في حقل السوسيولوجيا دورهم في نقد الفعل الديني باعتباره فعلا اجتماعيا وينساقون بدافع العاطفة الدينية إلى إبداء رأيهم في بعض الطقوس الدينية من حيث كونها فعلا شركيا يتنافى وعقيدة التوحيد مع الدعوة لمحاربة الظاهرة ، بما يقربهم من خطباء المساجد الذين ينتجون الخطاب ذاته بما يلغي الحواجز التي تفصل بين الداعية والمشتغل في حقل علم الاجتماع ، ولعل أوضح مثال على هذا تناغم خطاب رجال الدين وخطاب بعض السوسيولوجيين حول ظاهرة " أنزار".
" أنزار" في التراث الأمازيغي هو إله المطر ، وفي الحالات التي يقل فيها المطر تلجأ النسوة في القرى الأمازيغية إلى الإستغاثة ب" أنزار " طالبين الغيث من خلال رفع قصعة من السميد وبها ملعقة كبيرة  في ساحات القرى والمداشر ، لا شك أن هذا الطقس من الناحية الدينية هو طقس شركي لأنه يخالف عقيدة التوحيد ، وقد اختفى هذا الطقس أو قلت ممارسته كنتيجة للوعي الثقافي وللقناعة الدينية التي تستند إلى ما يقره الدين الإسلامي من أن الاستغاثة لا تكون إلا من الله وأن طلب الغيث يمكن أن يكون من خلال أداء صلاة الاستسقاء لدى المسلمين.
إن السوسيولوجي وبدل أن يغرق في تشنيع الفعل وتحريمه باعتباره مخالفا للعقيدة الدينية عليه أن يرجع لما يمليه عليه دوره باعتباره باحثا في حقل السوسيولوجيا ، عليه أن يطرح تساؤلات حول عودة هذا الطقس الديني ، وحول الفاعلين  الظاهرين والمستترين  ، المباشرين وغير المباشرين الذين يعملون على إنتاج وتوجيه هذا الفعل ، عليه أن يطرح تساؤلات حول رمزية الفعل وحول وعي وقناعات الفاعلين وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية ومستواهم الدراسي ، تساؤلات حول مصدر الفعل وهل هو عفوي أم موجه ، وعن الغرض من عودة هذا الطقس في مثل هذا الوقت بالذات .
هكذا وبهذه الطريقة ، ومن خلال سعي السوسيولوجي إلى الإجابة على مثل هذه الأسئلة يكون متميزا عن الداعية وعن رجل الدين  ويكون أقرب وأوفى للحقل الذي ينتمي إليه ، غير أن هذا لا يعني أن رجل الدين أكثر خدمة للدين من السوسيولوجي ، أي أن السوسيولوجي يبتعد عن الدين بقدر ممارسته للتحليل السوسيولوجي بل إن السوسيولوجي لا يقل شأنا في خدمة الدين من رجل الدين نفسه ، ولكنه يختلف عنه فقط في طريقة خدمته للدين .
يكون السوسيولوجي خادما للدين شأنه شأن رجل الدين من خلال محاولته الإجابة على التساؤلات التي يطرحها الفعل في الواقع ، بل إن السوسيولوجي يتجاوز رجل الدين في بعض المواضع خاصة عند الكشف عن الواقع الفعلي للممارسات الإنسانية والولوج إلى عمق العلاقات بين الأفراد والخلفيات الفكرية والعقدية التي تحكم أفعالهم وممارساتهم .

نشر في الحوار المتمدن يوم 1/3/2020 عدد 6503
الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=667183

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق