سفيان ميمون
يتحدث الكثير عن التعدد
الثقافي باعتباره سبيلا نحو الديمقراطية وتحقيق التقارب بين الشعوب ذلك الذي صبت
فيه مداخلة الدكتور مصطفى كمال شان رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة سكاريا التركية
الذي حل ضيفا على جامعة جيجل الجزائرية ، نعم يمكن للتعدد الثقافي أن يحقق ذلك لكن
ذلك مشروط بالعديد من الاعتبارات المتصلة بطبيعة الاتصال بين الثقافات المختلفة ،
فلا يمكن الحديث عن التعدد الثقافي كمدخل للديمقراطية طالما كان محكوما بالنزعة
العنصرية والاستعلائية بين " الجماعات الثقافية" ، نقول الجماعات
الثقافية لأن الثقافة هي مجرد أداة في يد
الجماعات التي تستخدمها في التسلط والهيمنة ، ولطالما كرر علماء الاجتماع
أنه لا ثقافة مسيطرة في ذاتها ولكن
الثقافة المسيطرة هي ثقافة الجماعات المسيطرة ، ومن الأمثلة على ذلك مسألة المهاجرين الجزائريين في فرنسا الذين ينتظمون في ثقافة
خاصة تختلف عن الثقافة الفرنسية التي تشكلت في إطار التاريخ والجغرافيا الفرنسية ،
ذلك ما يشكل تعددا ثقافيا حقيقيا ، غير أن هذا التعدد لا يمكن له أن يكون خادما
لديمقراطية حقيقية ولتقارب فعلي بفعل طبيعة العلاقات التي تحكم هذه الثقافات
المتباينة في مرجعياتها وممارساتها أو بالأحرى بين الجماعات التي تستبطن هذه
الثقافات وتستعملها ، ما يوضح هذا أكثر مسألة اندماج الجزائريين بخلفيتهم الثقافية
الدينية والقومية والتاريخية والتي تشهد صراعا واضحا من حيث سعي المجتمع الفرنسي
لإدماج هؤلاء المهاجرين من الناحية الثقافية لكن هذا الإدماج هو إدماج على المقاس
، هذا الذي يهدم مسألة الاعتراف بالتعدد وقبول الآخرين على هيئتهم الأولى ،
فالإدماج من الناحية الثقافية يعني فيما
يعنيه إعادة إنتاج الذات لدى الآخر وهو نفي واضح له .
يشكل التعدد من خلال نزعة
الاحتواء والهيمنة نفيا لهذا التعدد ذاته بما يشكل نفيا للديمقراطية وللتقارب
الثقافي بين الجماعات ، ذلك ما نلاحظه أيضا من خلال التلاعب ببعض المفاهيم "
الدالة على الديمقراطية " مثل مفهوم العلمانية الذي طور بالشكل الذي يمكن له
أن يبرر الإقصاء الثقافي والاجتماعي أحيانا لدى الجماعات القوية والتي تنتج خطاب
" التعدد الثقافي في صالح الديمقراطية " دونما إيمان وتجسيد لهذا
الخطاب.
تشير العلمانية بالمعنى
السياسي إلى فصل الدين عن الدولة أي ضرورة
تسيير الدين لشأنه دون تدخل الدولة وتسيير الدولة لشأنها دون تدخل الدين هذا الذي
يحيلنا على أحد الأسس التي قامت عليها العلمانية خلال العصور الوسطى في أوروبا إلى
المبدأ المسيحي بالضبط الذي يقول " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ،
غير أن للواقع الثقافي والسياسي دوره في
تحوير مفهوم العلمانية وإنتاج معان جديدة تتماشى ومصلحة الجماعات السياسية
المسيطرة ، فخلال الجدال الذي دار حول تدخل الدولة الفرنسية لمنع الحجاب في
المدارس واتهام هذه الدولة بنقضها لأحد أهم المبادئ التي تقوم عليها وهو مفهوم
العلمانية ، انبرى كثير من "المثقفين العضويين " لتقديم عملية منع
الحجاب عنوانا عن العلمانية وليس نفيا لها ذلك أن الدولة الفرنسية جسدت المفهوم
الحقيقي للعلمانية من خلال قيامها بفصل الدين ممثلا في هذه الصور والرموز الدينية
ومنها الحجاب عن الدولة بحيث لا يجب رؤية هذه الصور والرموز داخل مؤسسات الدولة .
وبالطبع لا يمكن النظر
" لوظيفة الدولة الفرنسية " بفصل الدين عن الدولة إلا تدخلا للدولة في
الدين والعمل على إقصائه وتحييده ، ما يعني بالضرورة إقصاء وتحييدا للثقافات
الأخرى التي تتشكل حول الدين داخل المجتمع
الفرنسي ، وعلى هذا الأساس لا يمكن الحديث عن تعدد ثقافي مفض إلى الديمقراطية وهو
مؤسس على علاقات صراعية بين الجماعات الثقافية المختلفة.
يفضي بنا هذا الكلام إلى أن
التعدد الثقافي الذي يفتح الباب أمام ديمقراطية حقيقية هو التعدد القائم على
الاحترام المتبادل بين الثقافات والمؤسس على علاقات ندية يجسد مبدأ التثاقف الحر
القائم على الأخذ والعطاء من دون وصاية أو محاولة هيمنة جماعة على أخرى ، بمعنى
أننا بحاجة إلى تعدد ثقافي حقيقي غير مزيف ولا مصنوع مثلما نراه في عالمنا اليوم .
يبدو أننا اليوم بصدد تعدد ثقافي يتم صناعته من قبل الجماعات القوية ليس على
مستوى الخطاب فحسب ولكن أيضا على مستوى الممارسة ، تعدد ثقافي غير حقيقي ، مزيف
تماما مثلما يصنع المجتمع المدني بمنظماته وهيئاته في المجتمعات المتخلفة لتكون
هذه المنظمات والهيئات التي تعبر عن مجتمع مدني مزيف وبالتالي عن ديمقراطية مزيفة
بديلا عن المجتمع المدني الحقيقي القائم على معارضة ومراقبة السلطة ، ليصبح
المجتمع المدني محل مراقبة من قبل السلطة بدل أن يكون مراقبا لها .
نشر بموقع الحوار المتمدن يوم 07/02/2020 عدد 6485
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق