الأربعاء، 28 مارس 2018

الجزائر وأنثروبولوجيا الاستعمار


سفيان ميمون

لقد تزامنت نشأة الأنثروبولوجيا كعلم خلال القرن التاسع عشر مع موجة الاستعمار الغربي للبلاد الأخرى ، فقد جعل هذا التزامن من الأنثروبولوجيا حليفا حقيقيا للاستعمار الذي كان يبحث عن أراضي جديدة وثروات إضافية لتلبية الحاجات الصناعية في أوروبا ، فقد كان الاعتماد على تقنيات ووسائل الأنثروبولوجيا باديا لدى الإدارة الاستعمارية من خلال الاعتماد على وصف تركيبة الشعوب المستعمرة ونظمها الاجتماعية وثقافاتها ... ، كما كانت هذه العمليات تتم من قبل ضباط الجيوش الاستعمارية الذين كانوا في الواجهة ، مما مكنهم من إعداد التقارير حول الخصائص التي تميز الشعوب وحول طبيعة البيئات التي تسكنها ، وكل هذا من أجل التمهيد الثقافي والفكري للغزو العسكري أو للمحافظة على بقاء واستمرار النظام الاستعماري .لقد خضع المجتمع الجزائري خلال الفترة الاستعمارية إلى الوصف والدراسة وكانت طبيعة الجزائري وسلوكه ولغته ودينه وطريقة عيشه وتركيبته العرقية ووضعية المرأة...محلا للوصف والتنظير ، وقد ارتبطت عمليات الوصف والتنظير هذه بالمصلحة الاستعمارية أكثر من ارتباطها بالموضوعية التي يتطلبها العلم ، ذلك أن الاستعمار الفرنسي لم يكن ينوي اكتشاف خصائص الجزائري لذاتها ولكن من أجل السيطرة وبسط الهيمنة وإدامة بقاء النظام الاستعماري .وفي خضم عمليات الوصف تم رمي المجتمع والفرد الجزائري بالتوحش ،وأن الجزائري من جنس همجي وهو يتميز بالبدائية مما يقتضي تطويره عن طريق تلقينه ثقافة المستعمر ، وهذا ما دعا إلى الرجوع إلى الدين وتقديمه كعامل أساسي في تخلف المجتمع ، بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية والدينية التي عمل الاستعمار على فهم دورها في تنظيم شؤون المجتمع ثم تحويل هذا الدور إلى خدمة مصالحه الاستعمارية ، كما تم التركيز أيضا على المرأة كدعامة أساسية في المجتمع الجزائري ووصف حالها واعتبارها في مكانة أقل من الرجل ، ورميها بأحكام مليئة بالسخرية ، لقد شكلت ذهنية الجزائري حسب كثير من الباحثين الفرنسيين عائقا أمام تدجينه وحمله على الانصياع ، لذلك تم الاتجاه إلى محاولة إزالة توحش هذا الجزائري عن طريق التعليم وفق النموذج الفرنسي.بناء على هذا تم تقسيم المجتمع الجزائري إلى ثنائيات من أجل التفريق وتأليب بعضها على البعض الآخر كثنائية عرب- بربر مثلا، وقد كانت ثنائية عرب –بربر الوتر الأساسي الذي استخدمه منظرو الاستعمار من خلال خلق ماسمي ب "الأسطورة القبائلية " التي تعتبر حسب "فيليب لوكا " و" جون كلود فاتان " في كتابهما – جزائر الأنثروبولوجيين- " ابتداعا غير عقلاني قائمة على استدلالات علماء مزيفين وهادفة إلى احتواء سياسي واقتصادي "، فمن خلال التنظير لأصل البربر واختلافه عن أصل العرب والتركيز على الاختلافات في الطباع والملامح الجسمية حاول منظرو الاستعمار في البداية الاستعانة بالقبائل من خلال تمجيد هذا العرق ، لكن الصورة تغيرت باستقرار المعمرين على الأرض الجزائرية حيث لم تعد ثمة مصلحة في هذا القبائلي ، وبالتالي تم الاتجاه إلى تأليب القبائل ضد العرب بغرض التفرقة والحفاظ بالتالي على مصالح المعمرين والنظام الاستعماري ، ومن المقولات التي حاول منظروا الأنثروبولوجيا الاستعمارية فرضها مثلما يرى لوكا وفاتان أن: " القبائلي يكره العربي والعربي يكره القبائلي ، فهذا المقت المتأجج لا يمكن تفسيره إلا بشعور تقليدي توارثته الأجيال ، كره بين عرق الغزاة ( أي العرب ) والعرق المقهور ( أي القبائل ) " ، ويذكر المختصون في هذا الشأن أن الممارسة الأنثروبولوجية في الجزائر تدرجت خلال المرحلة الاستعمارية من مرحلة الحملات االعسكرية الرامية إلى محاولة اكتشاف مناطق البلاد والإلمام بطبيعة السكان وخصائصهم ، إلى مرحلة فهم تركيبة المجتمع ومؤسساته الدينية والتعليمية ، وهنا يمكن الحديث عن نمط التعليم والجمعيات الدينية الفاعلة في المجتمع ، وأخيرا مرحلة الاعتماد على الأنثروبولوجيين المتخصصين والأكاديميين ويمكن أن نذكر هنا: جيرمين تيليون، و جاك بيرك ، و بيير بورديو ...الخ.و قد تشكلت في خضم المرحلة الاستعمارية ذاتها اتجاهات مؤسسة لأنثروبولوجيا مخالفة للأنثروبولوجيا الاستعمارية ، كما كان الحال في الجزائر مع فرانز فانون الذي دعا إلى التركيز على الثقافة الوطنية التي تعرضت للاحتقار من قبل كثير من الأنثروبولوجيين الفرنسيين وضرورة إقرانها بالكفاح المسلح ، فالثقافة الوطنية هي التي تغدي الكفاح الذي يزيل الاستعمار ، كما أن الكفاح من شأنه خلق وتدعيم الثقافة الوطنية الجزائرية حسبه ، وهي الحالة ذاتها التي ميزت بلدان العالم الثالث بشكل عام خاصة بعد مرحلة الاستعمار حيث أصبح التركيز باديا في الممارسة الأنثروبولوجية على مسالة الثقافة في ارتباطها بحركات التحرر والاستقلال ،أي إعادة الاعتبار للثقافات الوطنية وعناصرها ، إضافة إلى الاهتمام بالقضايا العامة للإنسان المعاصر وقضايا التنمية وغيرها، مما يحيل إلى ضرورة فصل الأنثروبولوجيا عن الصفة الاستعمارية التي التصقت بها منذ نشأتها ، كما كانت هناك اتجاهات لممارسة أنثروبولوجيا محلية ،أي تولي مهمة البحث في هذه المجتمعات أنثروبولوجيين محليين ينتمون إلى بلدانهم الأصلية ، في مقابل حضور أنثروبولوجيين غربيين إلى هذه البلدان في السابق ، وهو ما طرح إشكالات في هذا المجال تتعلق بإمكانية قدرة الباحث المحلي على التخلي عن الأحكام المسبقة نتيجة اتصاله العضوي بهذا المجتمع ، في مقابل اللا موضوعية التي طالما ميزت الباحثين الغربيين ،على الرغم من أن المقارنة بين الحالتين غير جائزة تماما بالنظر إلى الهدف من الممارسة الأنثروبولوجية لدى الباحثين الذين ينتمون للنظام الاستعماري ،والذين عملوا على تقديم نتائج أبحاثهم لهذا النظام الرامي إلى الهيمنة والسيطرة ،في مقابل نزعة التحرر التي تعتري الباحثين المحليين وإحساسهم المتزايد بضرورة التخلص من رواسب الاستعمار باستدعاء الآليات والوسائل المختلفة للتنمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق