سفيان ميمون
تعد الحركة الطلابية إحدى الظواهر البارزة في عصرنا الحالي فالطلاب مجتمعين متكتلين أصبح لهم وزن و دور كبير حيال التوجهات السياسية و القرارات التي تتخذها الدولة ناهيك عن توجهات الجامعة التي ينتمون إليها في مجال العملية التعليمية بمضامينها المختلفة و من هذا المنطلق ألحقت بالحركة الطلابية سمتان اثنتان هما :"[i]"
أ / دعواها بأنها حركة سياسية مستقلة و هذا ما يبدو واضحا في لغتها و أفكارها و علاقتها الوثيقة بمختلف قطاعات الحركة الراديكالية .
ب / اهتمامها ببناء وديناميات الجامعة ذاتها .
و وصفها بالحركة السياسية المستقلة يحيل إلى وجود وعي طلابي متنامي مواز للتغيرات التي يشهدها المجتمع و ديناميات الحياة في مختلف المجالات ، هذا الوعي الطلابي الملازم لظروف اجتماعية معينة يشبه إلى حد كبير الوعي الطبقي الملازم للظروف التي كان يعيشها العمال الصناعيون في أعقاب الثورة الصناعية في أوروبا، و هذه الفكرة عبر عنها ألان توران " TOURAINE " حينما اعتبر أن هناك " تماثلا واضحا بين الطلاب و العمال ، ففي الجامعات الفرنسية الكبيرة الحجم – و في جامعة كجامعة نانتيرNANTERRE - - حيث تواجه عزلة اجتماعية أصبح الطلاب يشكلون جماعة متميزة تشبه في بعض الوجوه العمال الصناعيين في المصانع الرأسمالية المبكرة ، فضلا عن أن ثمة تشابها بين المعتقدات التي يؤمن بها الطلبة الآن و التصورات اليوتوبية التي آمن بها الاشتراكيون الأوائل "[ii] .
النزعة الثورية إذا هي القاسم المشترك بين حركة البروليتاريا الاشتراكية و بين حركة الطلاب اليوم الذين يبنون و يطورون ثقافة خاصة بهم تتسم برفض الأوضاع القائمة و الموروثة و التطلع نحو الجديد ، غير أن الفرق بين الحركتين ( حركة البروليتاريا و حركة الطلاب ) هي أن الأولى تعتبر نفسها طبقة مستغلة من قبل الرأسماليين لذلك تطالب بالثورة على الأوضاع القائمة أما الثانية فهي " تعبير عن حركة نقذية فكرية أخلاقية للمجتمع "[iii] و العملية النقذية و الفكرية التي تشكل روح الحركة الطلابية تستند إلى ثقافة خاصة تدعى ثقافة الشباب التي تصنف كثقافة فرعية تختلف عن الثقافات الأخرى كثقافة الآباء مثلا، فمفهوم ثقافة الشباب تستخدمه الحركة الطلابية " كنقطة انطلاق مناسبة لتحليل القيم التي تكمن في خلق الحركات الاجتماعية للشباب و الأهداف التي تسعى إليها ، فالشباب يطورون لهم ثقافة خاصة بهم تشير إلى تلك الأساليب السلوكية و القيم و المثاليات و طرائق الحياة و التفكير التي تتجسد في أنظمة و علاقات اجتماعية ، و أنساق للاعتقاد تتبلور حول حاجات الشباب و وضعهم في المجتمع و إحساسهم بمشكلاته وإسهامهم في تغييره "[iv] .
إن النظر إلى ثقافة الشباب محركا للحركة الطلابية يحيل إلى مصدرهام لتفسير سلوكات وتصرفات حشود الطلبة و الدوافع القابعة وراءها ،غير أن ثقافة الشباب هذه لا يمكن التسليم بها كدافع مطلق لنتائج و أهداف معينة لأن الشباب يختلفون في سلوكاتهم واندفاعاتهم ، وثقافتهم العامة تضم خصائص مختلفة من جماعة شبانية إلى أخرى و من جماعة طلابية إلى جماعة طلابية أخرى تبعا لاختلاف البيئات و الأحوال الاجتماعية و السياسية و الدينية و غيرها .
الحركة الطلابية في الجزائر :
* قبل الاستقلال :
بدأ انخراط الطلبة الجزائريين في التجمعات الطلابية في فرنسا قبل إنشاء جامعة الجزائر فكانت هناك " تنظيمات عامة مشكلة في كل جامعة ابتداء من تاريخ 1877 و التي تجمعت كلها في حدود 1907 لتشكل ما يسمى بالاتحاد الوطني للتجمعات الطلابية بفرنسا ( UNAEF ) و الذي يتحول فيما بعد إلى الاتحاد الوطني للطلبة بفرنسا ( UNEF ) الذي حاول جمع كل الطلبة على اختلاف توجهاتهم السياسية و الاجتماعية و الدينية و ذلك للدفاع صفا واحدا عن حقوقهم المشتركة "[v] و لم تكن الحقوق التي سعى الطلبة إلى تحقيقها مشتملة على الجانب التحرري نظرا لطبيعة الفترة التي كانت تحياها تلك التنظيمات ، إذ أن هذه النقطة لم تطرح إلا بعد الحرب العالمية الثانية .
و قد انتظم الطلبة الجزائريون في الجزائر في" جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا (AEMAN) بدءا من عام 1919 و جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا بفرنسا ( AEMANF ) بدءا من عام 1927 "[vi] ، و كان اندماج الطلبة الجزائريين في التنظيمات الطلابية ينظر إليه من جانب الاستعمار الفرنسي على أنه اندماج في الحياتين الثقافية و السياسية الفرنسية فانفتاح المجال أمام الطلبة الجزائريين كان فرصة لخلق طبقة طلابية قائدة موجهة بثقافة فرنسية دورها الآني استقطاب جموع الطلاب الجزائريين من أجل تكوين نخبة مستقلة تلعب دور الوسيط بين سياسة الاستعمار و الجماهير الشعبية خاصة في فترة لم يكن الوعي السياسي للطلبة الجزائريين قد نضج بعد فكانت مطالبهم لا تخرج عن مجالها الاجتماعي و التعليمي .
و لكن هذا الوعي ماانفك يزداد بعد الحرب العالمية الثانية فانتظام الجزائريين في منظمة طلابية وطنية اسمها الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) و التي ظهرت " عام 1953 و كان برنامجها أو ميثاقها ينص على الانفتاح على مختلف الشرائح الطلابية من أصل جزائري و لديها قناعات بضرورة استقلال الجزائر لكن دون تمييز عرفي أو ديني "[vii] .
و لكن ضغط الواقع الطلابي و الثوري و الفكري جعل خلافا حادا يقوم بين تيارين داخل هذه المنظمة سببه حرف الميم (M ) الذي يعني المسلمين حينما أراد التيار الثاني أن تكون المنظمة باسم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ( UGEMA ) ، و كان رفض التيار الأول لإضافة حرف الميم وفاء للمبادئ الأولى التي نشأ عليها التنظيم و التي تستقر بشكل خاص في اللا تمييز الديني و العرفي و لكن هذه المبادئ أيضا تستند إلى إيديولوجيا معينة ترفض إضافة كلمة مسلمين و ما تحيل إليه من معاني في الثقافة و الشخصية ، بينما كان إصرار التيار الثاني على إقرار حرف الميم من أجل التأكيد على إسلامية شخصية الجزائريين و التميز بذلك عن الذات الاستعمارية ، و يبرر أحد أعضاء الاتحاد العام للطلبة الجزائريين إصرار هذا الأخير بالتمسك بحرف الميم بقوله " إن العملية كانت تخفي في طياتها مؤامرة خطيرة إذ لو تنازلنا عن انتمائنا الإسلامي في العنوان لفتحنا بأيدينا باب الانخراط لأبناء الجالية الأوروبية المقيمة بالجزائر و كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في التعليم العالي فكانوا على سبيل المثال خمسة آلاف (5000 ) طالب بجامعة الجزائر ، بينما لم يتجاوز بها عدد الجزائريين الأربعمائة ( 400 ) "[viii] ، و قد تغلب التيار الثاني في فرض الإسم بضم كلمة المسلمين للاتحاد الذي استطاع أن ينظم إضراب 19 ماي 1956 عن الدروس و التحاق الطلبة بصفوف الثورة الجزائرية و هي مرحلة أخرى من مراحل النضال الطلابي الذي لم يجد أمامه سوى العمل المسلح تجاوبا مع ما تفرضه المرحلة و تلبية الواجب الوطني حيث جاء في بيان 19 ماي 1956 على لسان الطلبة الأعضاء في الاتحاد " ... فما هي الفائدة إذا من هذه الشهادات التي تمنح لنا باستمرار ، بينما يخوض شعبنا كفاحا بطوليا ...... و نحن إطارات الغد يقترح علينا أن نؤطر ماذا ؟ و أن نؤطر من ؟ ربما الأنقاض و تلك الأكوام من الجثث التي خلفتها حوادث قسنطينة و تبسة وسكيكدة و تلمسان و أماكن أخرى دخلت بعد ضمن ملحمة وطننا "[ix] .
* بعد الاستقلال :
بعد استقلال الجزائر مباشرة تم حذف حرف الميم و الإبقاء على صيغة الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) الذي أصبح الممثل الوحيد للطلبة بمختلف مشاربهم السياسية والايديولوجية على أن يكون الهدف المنشود هو المضي قدما نحو تشييد و تنمية البلاد التي خرجت منهكة من الحرب التحريرية و استمر هذا التنظيم وحيدا إلى ما بعد أكتوبر 1988 تاريخ الانفتاح الديمقراطي و السماح بالحرية الحزبية و الحق في تأسيس الجمعيات ، لكن الفترة الواقعة بين الاستقلال و أكتوبر1988 لم يسدها الهدوء مطلقا فقد وقعت أحداث بعضها يرمي إلى تحقيق غايات اجتماعية و بعضها الآخر ذو صبغة سياسية أو إيديولوجية كأحداث 1979 الداعية إلى تعريب الجامعة و أحداث 1980 التي ترمي إلى الاعتراف بالبعد الأمازيغي كأحد أبعاد الشخصية الوطنية و أحداث الجزائر العاصمة 1982 و قسنطينة 1986 و غيرها .
بعد عام 1989 تعددت التنظيمات الطلابية و اختلفت مشاربها السياسية و الإيديولوجية حيث ارتبط كل تنظيم بحزب سياسي معين متبنيا مبادئه و أهدافه ، وبقدرما عملت هذه التنظيمات على الدفاع عن حقوق الطالب فإن دفاعهاعن مبادئ الأحزاب التي تنتمي إليها كان أشد و أقوى و هو ما يبدو واضحا في الصراع بين التنظيمات التي تنتمي إلى أحزاب إسلامية و أخرى وطنية أو شيوعية و هو ما فتح المجال لصراع معلن زاد من أزمة الجامعة و أوهن قدرتها خاصة عندما نعلم أن هذه التنظيمات لها نفوذها الذي يمكنها من الضغط على الإدارة التي لا تجد سوى الرضوخ لمطالبها الملونة سياسيا و إيديولوجيا .
[i] - بوتومور توماس – علم الاجتماع و النقد الاجتماعي – ترجمة السيد الحسيني و علي ليلة – دار الثقافة للطباعة و النشر – القاهرة – 1981 – ص 255 .
[ii] - نفس المرجع – ص 255 .
[iii] - نفس المرجع – ص 259 .
[iv]- محمد علي محمد – الشباب و التغير الاجتماعي – دار النهضة العربية للطباعة و النشر – بيروت – لبنان – 1985 – ص95 .
[v] - عبد الله حمادي – الحركة الطلابية الجزائرية 1871 ، 1962 " مشارب ثقافية و إيديولوجية " – منشورات المتحف الوطني للمجاهد – ط 2 - دون سنة نشر – ص 45 .
[vi] - نفس المرجع – ص 45 .
[vii] - نفس المرجع – ص 52 .
[viii] - صالح بن القبي –" الحركة الطلابية و ثورة 01 نوفمبر 1954 المجيدة"- مجلة المجلس الإسلامي الأعلى - دورية في الثقافة الإسلامية – عدد 2 – 1999 – ص 406 .
[ix] - نفس المرجع – ص 410 .
أ / دعواها بأنها حركة سياسية مستقلة و هذا ما يبدو واضحا في لغتها و أفكارها و علاقتها الوثيقة بمختلف قطاعات الحركة الراديكالية .
ب / اهتمامها ببناء وديناميات الجامعة ذاتها .
و وصفها بالحركة السياسية المستقلة يحيل إلى وجود وعي طلابي متنامي مواز للتغيرات التي يشهدها المجتمع و ديناميات الحياة في مختلف المجالات ، هذا الوعي الطلابي الملازم لظروف اجتماعية معينة يشبه إلى حد كبير الوعي الطبقي الملازم للظروف التي كان يعيشها العمال الصناعيون في أعقاب الثورة الصناعية في أوروبا، و هذه الفكرة عبر عنها ألان توران " TOURAINE " حينما اعتبر أن هناك " تماثلا واضحا بين الطلاب و العمال ، ففي الجامعات الفرنسية الكبيرة الحجم – و في جامعة كجامعة نانتيرNANTERRE - - حيث تواجه عزلة اجتماعية أصبح الطلاب يشكلون جماعة متميزة تشبه في بعض الوجوه العمال الصناعيين في المصانع الرأسمالية المبكرة ، فضلا عن أن ثمة تشابها بين المعتقدات التي يؤمن بها الطلبة الآن و التصورات اليوتوبية التي آمن بها الاشتراكيون الأوائل "[ii] .
النزعة الثورية إذا هي القاسم المشترك بين حركة البروليتاريا الاشتراكية و بين حركة الطلاب اليوم الذين يبنون و يطورون ثقافة خاصة بهم تتسم برفض الأوضاع القائمة و الموروثة و التطلع نحو الجديد ، غير أن الفرق بين الحركتين ( حركة البروليتاريا و حركة الطلاب ) هي أن الأولى تعتبر نفسها طبقة مستغلة من قبل الرأسماليين لذلك تطالب بالثورة على الأوضاع القائمة أما الثانية فهي " تعبير عن حركة نقذية فكرية أخلاقية للمجتمع "[iii] و العملية النقذية و الفكرية التي تشكل روح الحركة الطلابية تستند إلى ثقافة خاصة تدعى ثقافة الشباب التي تصنف كثقافة فرعية تختلف عن الثقافات الأخرى كثقافة الآباء مثلا، فمفهوم ثقافة الشباب تستخدمه الحركة الطلابية " كنقطة انطلاق مناسبة لتحليل القيم التي تكمن في خلق الحركات الاجتماعية للشباب و الأهداف التي تسعى إليها ، فالشباب يطورون لهم ثقافة خاصة بهم تشير إلى تلك الأساليب السلوكية و القيم و المثاليات و طرائق الحياة و التفكير التي تتجسد في أنظمة و علاقات اجتماعية ، و أنساق للاعتقاد تتبلور حول حاجات الشباب و وضعهم في المجتمع و إحساسهم بمشكلاته وإسهامهم في تغييره "[iv] .
إن النظر إلى ثقافة الشباب محركا للحركة الطلابية يحيل إلى مصدرهام لتفسير سلوكات وتصرفات حشود الطلبة و الدوافع القابعة وراءها ،غير أن ثقافة الشباب هذه لا يمكن التسليم بها كدافع مطلق لنتائج و أهداف معينة لأن الشباب يختلفون في سلوكاتهم واندفاعاتهم ، وثقافتهم العامة تضم خصائص مختلفة من جماعة شبانية إلى أخرى و من جماعة طلابية إلى جماعة طلابية أخرى تبعا لاختلاف البيئات و الأحوال الاجتماعية و السياسية و الدينية و غيرها .
الحركة الطلابية في الجزائر :
* قبل الاستقلال :
بدأ انخراط الطلبة الجزائريين في التجمعات الطلابية في فرنسا قبل إنشاء جامعة الجزائر فكانت هناك " تنظيمات عامة مشكلة في كل جامعة ابتداء من تاريخ 1877 و التي تجمعت كلها في حدود 1907 لتشكل ما يسمى بالاتحاد الوطني للتجمعات الطلابية بفرنسا ( UNAEF ) و الذي يتحول فيما بعد إلى الاتحاد الوطني للطلبة بفرنسا ( UNEF ) الذي حاول جمع كل الطلبة على اختلاف توجهاتهم السياسية و الاجتماعية و الدينية و ذلك للدفاع صفا واحدا عن حقوقهم المشتركة "[v] و لم تكن الحقوق التي سعى الطلبة إلى تحقيقها مشتملة على الجانب التحرري نظرا لطبيعة الفترة التي كانت تحياها تلك التنظيمات ، إذ أن هذه النقطة لم تطرح إلا بعد الحرب العالمية الثانية .
و قد انتظم الطلبة الجزائريون في الجزائر في" جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا (AEMAN) بدءا من عام 1919 و جمعية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا بفرنسا ( AEMANF ) بدءا من عام 1927 "[vi] ، و كان اندماج الطلبة الجزائريين في التنظيمات الطلابية ينظر إليه من جانب الاستعمار الفرنسي على أنه اندماج في الحياتين الثقافية و السياسية الفرنسية فانفتاح المجال أمام الطلبة الجزائريين كان فرصة لخلق طبقة طلابية قائدة موجهة بثقافة فرنسية دورها الآني استقطاب جموع الطلاب الجزائريين من أجل تكوين نخبة مستقلة تلعب دور الوسيط بين سياسة الاستعمار و الجماهير الشعبية خاصة في فترة لم يكن الوعي السياسي للطلبة الجزائريين قد نضج بعد فكانت مطالبهم لا تخرج عن مجالها الاجتماعي و التعليمي .
و لكن هذا الوعي ماانفك يزداد بعد الحرب العالمية الثانية فانتظام الجزائريين في منظمة طلابية وطنية اسمها الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) و التي ظهرت " عام 1953 و كان برنامجها أو ميثاقها ينص على الانفتاح على مختلف الشرائح الطلابية من أصل جزائري و لديها قناعات بضرورة استقلال الجزائر لكن دون تمييز عرفي أو ديني "[vii] .
و لكن ضغط الواقع الطلابي و الثوري و الفكري جعل خلافا حادا يقوم بين تيارين داخل هذه المنظمة سببه حرف الميم (M ) الذي يعني المسلمين حينما أراد التيار الثاني أن تكون المنظمة باسم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ( UGEMA ) ، و كان رفض التيار الأول لإضافة حرف الميم وفاء للمبادئ الأولى التي نشأ عليها التنظيم و التي تستقر بشكل خاص في اللا تمييز الديني و العرفي و لكن هذه المبادئ أيضا تستند إلى إيديولوجيا معينة ترفض إضافة كلمة مسلمين و ما تحيل إليه من معاني في الثقافة و الشخصية ، بينما كان إصرار التيار الثاني على إقرار حرف الميم من أجل التأكيد على إسلامية شخصية الجزائريين و التميز بذلك عن الذات الاستعمارية ، و يبرر أحد أعضاء الاتحاد العام للطلبة الجزائريين إصرار هذا الأخير بالتمسك بحرف الميم بقوله " إن العملية كانت تخفي في طياتها مؤامرة خطيرة إذ لو تنازلنا عن انتمائنا الإسلامي في العنوان لفتحنا بأيدينا باب الانخراط لأبناء الجالية الأوروبية المقيمة بالجزائر و كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في التعليم العالي فكانوا على سبيل المثال خمسة آلاف (5000 ) طالب بجامعة الجزائر ، بينما لم يتجاوز بها عدد الجزائريين الأربعمائة ( 400 ) "[viii] ، و قد تغلب التيار الثاني في فرض الإسم بضم كلمة المسلمين للاتحاد الذي استطاع أن ينظم إضراب 19 ماي 1956 عن الدروس و التحاق الطلبة بصفوف الثورة الجزائرية و هي مرحلة أخرى من مراحل النضال الطلابي الذي لم يجد أمامه سوى العمل المسلح تجاوبا مع ما تفرضه المرحلة و تلبية الواجب الوطني حيث جاء في بيان 19 ماي 1956 على لسان الطلبة الأعضاء في الاتحاد " ... فما هي الفائدة إذا من هذه الشهادات التي تمنح لنا باستمرار ، بينما يخوض شعبنا كفاحا بطوليا ...... و نحن إطارات الغد يقترح علينا أن نؤطر ماذا ؟ و أن نؤطر من ؟ ربما الأنقاض و تلك الأكوام من الجثث التي خلفتها حوادث قسنطينة و تبسة وسكيكدة و تلمسان و أماكن أخرى دخلت بعد ضمن ملحمة وطننا "[ix] .
* بعد الاستقلال :
بعد استقلال الجزائر مباشرة تم حذف حرف الميم و الإبقاء على صيغة الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ( UNEA ) الذي أصبح الممثل الوحيد للطلبة بمختلف مشاربهم السياسية والايديولوجية على أن يكون الهدف المنشود هو المضي قدما نحو تشييد و تنمية البلاد التي خرجت منهكة من الحرب التحريرية و استمر هذا التنظيم وحيدا إلى ما بعد أكتوبر 1988 تاريخ الانفتاح الديمقراطي و السماح بالحرية الحزبية و الحق في تأسيس الجمعيات ، لكن الفترة الواقعة بين الاستقلال و أكتوبر1988 لم يسدها الهدوء مطلقا فقد وقعت أحداث بعضها يرمي إلى تحقيق غايات اجتماعية و بعضها الآخر ذو صبغة سياسية أو إيديولوجية كأحداث 1979 الداعية إلى تعريب الجامعة و أحداث 1980 التي ترمي إلى الاعتراف بالبعد الأمازيغي كأحد أبعاد الشخصية الوطنية و أحداث الجزائر العاصمة 1982 و قسنطينة 1986 و غيرها .
بعد عام 1989 تعددت التنظيمات الطلابية و اختلفت مشاربها السياسية و الإيديولوجية حيث ارتبط كل تنظيم بحزب سياسي معين متبنيا مبادئه و أهدافه ، وبقدرما عملت هذه التنظيمات على الدفاع عن حقوق الطالب فإن دفاعهاعن مبادئ الأحزاب التي تنتمي إليها كان أشد و أقوى و هو ما يبدو واضحا في الصراع بين التنظيمات التي تنتمي إلى أحزاب إسلامية و أخرى وطنية أو شيوعية و هو ما فتح المجال لصراع معلن زاد من أزمة الجامعة و أوهن قدرتها خاصة عندما نعلم أن هذه التنظيمات لها نفوذها الذي يمكنها من الضغط على الإدارة التي لا تجد سوى الرضوخ لمطالبها الملونة سياسيا و إيديولوجيا .
[i] - بوتومور توماس – علم الاجتماع و النقد الاجتماعي – ترجمة السيد الحسيني و علي ليلة – دار الثقافة للطباعة و النشر – القاهرة – 1981 – ص 255 .
[ii] - نفس المرجع – ص 255 .
[iii] - نفس المرجع – ص 259 .
[iv]- محمد علي محمد – الشباب و التغير الاجتماعي – دار النهضة العربية للطباعة و النشر – بيروت – لبنان – 1985 – ص95 .
[v] - عبد الله حمادي – الحركة الطلابية الجزائرية 1871 ، 1962 " مشارب ثقافية و إيديولوجية " – منشورات المتحف الوطني للمجاهد – ط 2 - دون سنة نشر – ص 45 .
[vi] - نفس المرجع – ص 45 .
[vii] - نفس المرجع – ص 52 .
[viii] - صالح بن القبي –" الحركة الطلابية و ثورة 01 نوفمبر 1954 المجيدة"- مجلة المجلس الإسلامي الأعلى - دورية في الثقافة الإسلامية – عدد 2 – 1999 – ص 406 .
[ix] - نفس المرجع – ص 410 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق