الجمعة، 5 يونيو 2020

أستاذ الجامعة وإشاعة روح النقد لدى الطالب


سفيان ميمون



ثمة رأي سائد لدى بعض طلبة  الجامعة  حول تقاعس الأستاذ في إشاعة روح النقد لدى الطالب باعتبار ذلك أحد الآليات المهمة في بناء عقل الطالب وإكسابه تكوينا سليما ، و قد يبدو ذلك فعلا في مختلف أشكال التعصب و عدم تقبل الرأي الآخر خلال المناقشات المختلفة أثناء حصص الدروس و خارجها، فنظرة الأستاذ إلى ذاته كثيرا ما تصنع طريقة تعامله مع الآخرين في مجال النقاش، حيث ينصب بعض الأساتذة أنفسهم في مرتبة عالية باعتبار الشهادة التي تحصلوا عليها و دونهم الآخرون، لذلك كثيرا ما يجد الطالب نفسه خائفا من مناقشة الأستاذ الذي يغلق أبواب النقاش، بل و يسفه آراء الطالب، بما لا يسمح لهذا الأخير باكتساب الثقة في ذاته، ناهيك عن اكتسابه لفكر نقدي يستطيع من خلاله المجادلة في الموضوعات المختلفة.
و لعله من السهل علينا أن نلاحظ أن بعض الأساتذة ذوو تفكير تقليدي ، وهم يؤكدون من خلال ذلك على قيم الامتثال و الطاعة، فرغم أن بعضهم يؤكدون على وجوب تكوين عقل نقدي على مستوى الخطاب، تجدهم يعارضون ذلك على مستوى الممارسة، و يبدو ذلك من خلال بعض السلوكات مثل تفضيلهم لأن تعاد إليهم بضاعتهم خلال الامتحانات، و عدم قبول الرأي الآخر خلال المناقشات و هلم جرا..، قد يكون تأكيد بعض الأساتذة و دعوتهم إلى بناء تفكير نقدي من خلال خطاباتهم المختلفة محاولة لتأكيد ذاتهم وحشر أنفسهم مع الصفوة ، من خلال مسايرة الخطاب المعاصر الداعي إلى استخدام العقل و الارتكاز في تحليل القضايا المختلفة على أساليب الحوار و النقد، غير أن التواصل مع هؤلاء الأساتذة يكشف عن انكماشهم و عدم جديتهم في فتح أبواب النقد و النقاش، و سبب ذلك هو إما انخراط الأستاذ في منظومة تقليدية كرست لديه منطق "الشيخ و المريد"، أو نتيجة عدم قدرته على المواجهة باعتبار ضعف الزاد المعرفي الذي يملكه، و هشاشة قاعدته النقدية، لذلك و خوفا من التعرية يلجأ إلى الاحتماء بهذه المنظومة التقليدية، على مستوى الممارسة مع مد بعض الخيوط التي تبرزه كأستاذ متفتح على الرأي و الرأي الآخر.
بالإضافة إلى هذا فإن انغلاق الأستاذ يوفر له حسب بعض أنواع التصورات السائدة مكانة اجتماعية لائقة من خلال عمليات إخفاء الجوهر الثقافي و الظهور بمظهر التعالي و النخبوية التي وفرتها له شهادته العليا، فهذه الشهادة هي أداة لتحصيل مكانة اجتماعية مرموقة، و هي بالإضافة إلى ذلك أداة لتحصيل سلطة تكون مطية لهذه المكانة و لمصالح أخرى رمزية أو مادية، فعمل الأستاذ على إيهام الآخريــــن بأنـــه يمتلــك رأسمـــال ثقافـــي دون الإفصــــاح عن جوهـــــره و دون إنـــــزال هذا الرأسمال من عليائه و تعريته للآخرين، يمكن الأستاذ من الظفر بمصالح مختلفة في مختلف الحقول الاجتماعية.
و في هذا السياق يمكن أن تطرح قضية الأستاذ المثقف الذي يفتح أبواب الجدال و النقد حول القضايا المجتمعية و الفكرية المختلفة مقابل الأستاذ الموظف الذي يمارس مهنته كباقي المهن الأخرى و التي ترتكز على عملية تلقين المعارف الجاهزة للطلبة دون فتح للنقاش حول هذه المعارف و مقاربتها بالواقع ، فكثير من الأساتذة لم يعد يعنيهم الحوار النقدي إما بسبب تكوينهم الضعيف، أو بسب وضعهم الاجتماعي و عدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم المادية و غير المادية مما آل بهم إلى الركون إلى تلقين الطالب لمعارف جاهزة مثلما يلقن الطفل الصغير في المدارس الابتدائية، و عدم تقبل الرأي الآخر لأن ذلك يزعجه و يتعبه في آن، و بالإضافة إلى هذا فإن الأستاذ يركن إلى الكسل و العمل بمنطق "خذ البضاعة ثم أعدها" تبعا لوضعية الطالب و استعداده للعمل، فكثيرا ما اشتكى الأساتذة من عدم جاهزية الطالب و استعداده للعمل ، لذلك يجد الأستاذ نفسه مجبرا على تسيير الوضع بمنطق الموظف الذي يلقن الدروس و لا ينتظر نقاشا، بل لا يعنيه أحيانا إن كانت الدروس التي لقنها قد تم استيعابها أم لا، فالطالب أصبح عقبة للدخول في جو نقدي و إثارة النقاش حول القضايا المختلفة، و لا عجب أن نجد طلابا نائمين داخل القسم - نائمين فعلا وليس مجازا - ما يعبر عن عدم اهتمام بالمادة المعرفية المقدمة، فالحضور هو فقط لضمان عدم الإقصاء و مواصلة المسيرة نحو الشهادة كمراد مادي ليس أكثر.
و في مقابل هذا نجد عددا معتبرا من الأساتذة و رغم طبيعة الوضع الاجتماعي و الدراسي، و رغم طبيعة وضعهم الخاص يسعون إلى إثارة روح النقد بين الطلبة حرصا منهم على التفتح العقلي الذي يساعد في تنمية الشخصية العلمية للطالب، فالطالب يحتاج إلى نقاشات وجدالات نقدية مثلما يحتاج إلى كتابات معمقة ذات صبغة نقدية ، فمن خلال ممارستنا الميدانية للتعليم لاحظنا أن كثيرا من الطلبة الذين يحاولون العمل و يداومون على حضور الدروس و المحاضرات يجدون صعوبة في الإجابة على الأسئلة المفتوحة خلال الامتحانات، و قد بدا أن المشكل يكمن في ضعف و غياب الحس النقدي لدى الطالب، إذ أن الطالب لم يتدرب على كيفية مناقشة القضايا المعرفية و الفكرية المطروحة، و بالقدر نفسه فإنه يفتقد للقراءات الفكرية و النقدية المعمقة التي تسمح بتفتح عقله من خلال إكسابه بعض آليات النقد و التحليل، فالطالب يتداول فقط المراجع ذات الكتابات السطحية غير المعمقة التي تمليها عليه حاجته لإعداد بحث بسيط طلبه الأستاذ، لذلك بقي الطالب على هذه الحال ذا تفكير سطحي بسيط فأصابه العجز عن مناقشة القضايا المعرفية و الفكرية بكيفية نقدية معمقة، فإذا كان هذا هو حال الطالب فإن ذلك أيضا سينعكس سلبا على الأستاذ الذي يصاب بخيبة و إحباط عندما لا يجد من يسايره في نقاش هذه القضايا خلال حصص الدروس و المحاضرات، بما يجعله يركن إلى طريقة التلقين التقليدي.

منشور بموقع الحوار المتمدن يوم 5/6/2020 عدد 6584

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق