الأحد، 27 نوفمبر 2022

علم الاجتماع " ذلك العلم المزعج"

 

 سفيان ميمون

مازلنا نردد مقولة بورديو الشهيرة عن علم الاجتماع باعتباره ذلك " العلم المزعج" ، مازال علم الاجتماع علما مزعجا فعلا لكن من وجهة نظر أخرى غير التي كان يقصدها بيير بورديو وخاصة في البلدان المتخلفة التي تفتقد لأدنى معايير الديمقراطية في التعبير وتكوين الجمعيات والمنظمات والانتساب إليها ، مازال علم الاجتماع علما مزعجا لأنه أصبح عالة على المجتمع وعلى الممارسة العلمية حينما تم تمييعه بطريقة أو بأخرى لم يكن خلالها التمييز بين علم الاجتماع والأدب واردا ، أو بين علم الاجتماع وعلم الاقتصاد مثلما نراه في طريقة تدريس علم اجتماع التنظيم وتنمية الموارد البشرية ، بل بين علم الاجتماع والشعودة مثما كان يسميها الدكتور عبد الرحمان بوزيدة حفظه الله ، هذه االشعودة التي يمارسها جلساء المقاهي قاطعين كل شك بصدق مايقولون ويقررون .

تدهور الممارسة السوسيولوجية وقبل ذلك الحس السوسبولوجي له علاقة بالانحطاط العلمي والمجتمعي طبعا ، لكن هذا التدهور أكثر ارتباطا بالتمييع الممنهج الذي يمارس بكيفية واعية أو غير واعية على مستويات عديدة ، من هذا مثلا ماكان خلال السنوات الماضية من فتح المجال في بعض الجامعات لتكوين طلبة الدراسات العليا في تخصص علم الاجتماع وهم يحملون شهادة الليسانس في تخصصات أخرى بعضها بعيد عن تخصص علم الاجتماع ، هذا الذي جعل الدكتور عبد الغني مغربي رحمه الله الذي فارقنا قبل أيام يثور على إدراج أحد الطلبة ضمن تخصص علم الاجتماع الثقافي في دفعتنا وهو الذي يحمل شهادة الليسانس في الشريعة متسائلا كيف يمكن تكوين سوسيولوجيين ليس لهم تكوين قاعدي في السوسيولوجيا ؟!!.

فعلا علم الاجتماع أصبح علما مزعجا نظرا للوضعية المزعجة التي أصبح عليها والتي جعلت منه مجموعة معارف يتم نقلها دونما حفر في الواقع الاجتماعي ومحاولة إبراز الأسباب الحقيقية التي تنتج الظواهر ، هذه الأسباب التي تتخفى في السياسي والأيديولوجي وفي المصالح والاستراتيجيات التي ترتدي ثيابا محاطا بالأشواك ، هذه الأشواك بالذات هي التي يشتغل عليها السوسيولوجي محاولا إزالتها بكلتا يديه ، لكن هذا كله لا أثر له على مستوى السوسيولوجيا الممارسة في بلداننا المتخلفة .

يكون علم الاجتماع علما مزعجا بالمعنى الذي قصده بورديو عندما يكون هناك علماء اجتماع " مزعجين" من خلال بحثهم عن "الحقيقة " والكشف عنها مثلما هي من دون تحريف أو تزوير ، ومن دون مداهنة للسياسي والإداري وصاحب القوة ، لكننا نشهد اليوم غيابا لعالم الاجتماع " المزعج" على مستوى الممارسة السوسيولوجية ، فلايمكن عمليا الحديث عن علم اجتماع مزعج في غياب علماء اجتماع مزعجين.

هناك عوامل موضوعية ساهمت في كسر شوكة علم الاجتماع وغيبت الضجيج الملازم لهذا العلم في البلدان المتخلفة منها غياب الديمقراطية في صورة حرية التعبير الناتجة عن الخوف الملازم للطبقات الحاكمة من كشف وتعرية مالا تريده أن ينكشف ويتعرى ، هذا الوضع الذي أنتج بالموازاة مع هذا ممارسين لسوسيولوجيا مداهنة ، تقرر ما تريده القوى الحاكمة والمسيطرة ، فينحصر دور السوسيولوجي في مجرد التبرير أو السكوت والانزواء في أحسن الأحوال. 

لقد أصبح علم الاجتماع علما مزعجا فعلا لأنه بعيد عن مستوى تطلعات المجتمع العلمي بما آل إليه من تمييع وتهميش ، ففي الوقت الذي تقدر فيه الدول المتقدمة هذا العلم والعلوم الاجتماعية عامة تشهد هذه العلوم احتقارا كبيرا وحطا من قدرها وقيمتها على جميع المستويات في بلداننا المتخلفة.

 نشر في  الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 

الرابط   https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=775645

الأحد، 20 نوفمبر 2022

مونديال قطر ، الحوار والهيمنة الثقافية..

 

سفيان ميمون 

كرة القدم لم تعد مجرد لعبة ، ففي ميدان اللعب تحضر السياسة والتجارة والثقافة ، تحضر معالم التضامن ونزعات السيطرة والهيمنة ، تحضر القوميات والعنصرية وصور التعالي العرقي ، ويحضر أيضا فوكوياما وهنتجتون رغم غيابهما ..

لا أحد ينكر استخدام كرة القدم كميدان للاستثمار التجاري والسياحي وكميدان للاشهار ، ولايمكن أيضا التغاضي عن كون الكرة أداة للتوجيه والحشد وإلهاء الشعوب من الناحية السياسية ، لكن الاستثمار في كرة القدم تخطى مثل هذه الاعتبارات التقليدية إلى اعتبارات أخرى أكثر عمقا وأكثر ارتباطا بهذا العصر المرن والسائل وفق تعبير زيجمونت باومان.

خلال الأشهر الأخيرة الماضية ارتدت بعض الفرق الأوروبية قمصانا عليها شعارات داعمة للمثليين ، يفرض على اللاعبين ارتداؤها ويعاقب منهم من يرفض ارتداءها وإن استند في ذلك إلى خلفية ثقافية مخالفة لفلسفة " دعم المثليين" ، لتكون ملاعب كرة القدم ميدانا للهيمنة الثقافية ولعولمة الشذوذ بقوة القانون .

حاولت بعض اللوبيات أن تكرس هذه الهيمنة ببعض الإملاءات التي تجعل قطر كبلد منظم لكأس العالم ميدانا لإبراز ثقافة الشذوذ ومعاقرة الخمر في الملاعب على حساب خلفيتها الثقافية ، هذا الذي أثار بعض ردود الفعل من الجانب القطري بإبداء مقاومة ثقافية وسياسية ، نزعات الهيمنة هذه ومايقابلها من مقاومة ثقافية تجلت بوضوح في بعض البرامج الحوارية لوسائل الإعلام الغربية بشكل خاص .
تبرز لنا هذه البرامج ووسائل الإعلام التي تنتجها والتي يرتبط بعضها بهذه اللوبيات قوة هذه الأخيرة وتغلغلها وقدرتها على التأثير وشرعنة القضايا التي تريد إبرازها وإثارتها ، كما تبرز لنا أيضا ومن خلال نزعات المقاومة وإثبات الشخصية الثقافية تطوير حوار ذي طابع ثقافي سياسي في الوقت نفسه يركن إلى استراتيجية ذكية في التعامل مع هذه الإملاءات الثقافية التي تسعى هذه اللوبيات إلى فرضها ، وقد رأينا بعض الخطابات من الجانب القطري في بعض وسائل الإعلام تحاول إثبات الشخصية الثقافية لدولة قطر وتعزيز موقفها السياسي باعتبارها دولة ذات سيادة ، مثل ضرورة منع الخمور في مدرجات الملاعب ، هذا الذي تجسد في قرار لدولة قطر ، رغم حضور الخمر خارج الملعب على مستوى بعض نقاط البيع ، وأيضا الترحيب بفئة المثليين في دولة قطر خلال المونديال لكن باعتبارهم مشجعين ، أي دون السماح لهم بممارسة بعض طقوسهم الخاصة والترويج لها خلال المونديال الذي يشاهده العالم بأسره .

تسعى دولة قطر - وهذه نقطة تحسب لها- إلى محاولة إبراز الثقافة العربية الإسلامية وهي بهذا تحاول استغلال ميدانها والاستثمار في حضور الاجناس المختلفة من جميع القارات لهذا الغرض ، هذا الميدان الذي تزاحمها فيه ثقافات أخرى وسياسات ولوبيات ، لكن قوة دولة قطر وتوفرها على منشآت قاعدية ضخمة أذهلت العالم كنتيجة للتسيير الرشيد للأموال والموارد البشرية جعل الدول الغربية ولوبيات الضغط والهيئات الدولية تحسب لها ألف حساب ، هذا الذي يبدو في خطاب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عشية المونديال والذي دعا فيه بعض الدول الغربية وبعض الجماعات إلى الكف عن انتقاد قطر وتذكيرهم بكيفية التعامل السيئة مع المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا .

كل المؤشرات توحي بأن قطر في طريقها إلى النجاح في المونديال وفي غيره وهي عازمة أيضا على تحقيق قفزات أخرى من خلال المونديال الذي يعتبر استثمارا مهما في مجالات عديدة يعتبر المجال الثقافي واحدا منها.

منشور في : الحوار المتمد يوم 19/11/2022عدد7437

الرابط   https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=774888


الأربعاء، 17 أغسطس 2022

الثقافة السياحية

 سفيان ميمون

من يقتل السياحة في الجزائر ؟ ، سؤال تداوله الجزائريون بكثرة في الآونة الأخيرة ، وهو سؤال مؤسس على كثير من الاعتبارات الواقعية لعل أهمها مايتصل بنقص المرافق السياحية أو انعدامها ، وكذلك طريقة تسيير وتنظيم الشأن السياحي فيما يتعلق خصوصا بالإشهار للمواقع السياحية وطرق التواصل مع السواح وحسن استقبالهم وغيرها ، ولعل مما نسمعه من إجابات لهذا السؤال هو غياب ثقافة سياحية في الجزائر ، فما هو المقصود بالثقافة السياحية وماهي الجوانب التي تغيب عنها هذه الثقافة السياحية ؟.
علينا التفريق اولا بين مفهومين متقاربين من حيث اللفظ لكنهما مختلفان في المعنى وهما مفهوم الثقافة السياحية من جهة ومفهوم السياحة الثقافية من جهة ثانية ، يحيل مفهوم السياحة الثقافية على اعتبار الثقافة هدفا للعملية السياحية حيث يسعى السائح للحصول على معلومات ومعارف جديدة ، الحصول على مراجع أو كتب ، تحصيل معرفة تاريخية من خلال زيارة مواقع أثرية وغيرها من الأهداف التي ينشدها السائح ، غير أن الثقافة السياحية شيء آخر مختلف ، حيث لاتكون الثقافة هدفا ولكن تكون أساسا للعملية السياحية ، فالثقافة هي الموجه الأساسي للفعل السياحي وعلى اساسها يتحدد هذا الفعل ، فيكون هذا الفعل بناء أو غير ذلك ويكون فعلا سويا أو لايكون كذلك بناء على الخلفية التي توجه هذا الفعل وهي الثقافة باعتبارها خلفية للفعل والسلوك السياحي.
يمكن رصد الثقافة السياحية ، حضورها أو غيابها لدى الأفراد والمؤسسات على حد سواء ، فبالنسبة للمؤسسات يمكن الرجوع إلى طرق تنظيم الشأن السياحي من قبل المؤسسات التي تعمل في مجال السياحة ، بتوفير المرافق السياحية التي تناسب كل الفئات الاجتماعية ، وتنظيم التعاملات السياحية بما لا يدع مجالا للقلق لدى السائح ، بدءا من تنظيم مستودعات ركن السيارات إلى مراقبة أسعار الشقق ، ويغمرني الخجل هنا أن أتحدث عن تنظيم صرف العملة ، لأن هذا المجال عندنا في الجزائر مازال تحت رحمة السوق السوداء عكس بعض الدول الجارة التي قطعت أشواطا في مجال تسيير العملية السياحية مثل تونس والمغرب والتي توفر بين مركز الصرف والمركز الآخر مركزا للصرف .
أما بالنسبة للأفراد فإن الحديث عن غياب الثقافة السياحية بالمطلق هو ظلم للأفراد لأن الفرد الجزائري عموما وبغض النظر عن اختلاف مستويات التفكير ومستويات المعيشة اكتسب نتيجة البيئة المعلوماتية المعاصرة الكثير السلوكيات الواعية ومن ضمن هذه السلوكيات السلوكيات السياحية ، لكن ورغم هذا فإن تكرار بعض السلوكيات المشينة كثيرا ماتبعث على احجام الأفراد عن زيارة بعض المناطق السياحية بما يقلل من كثافة النشاط السياحي ويؤدي إلى تعطيل الحركية السياحية وماينتح عنها من فوائد ومنافع للافراد والمؤسسات الخاصة والعامة ، ولعل أدنى مايمكن ملاحظته من هذه السلوكيات عدم احترام المواقع السياحية من خلال رمي القمامة بشكل عشوائي ، ابتزاز السواح برفع سعر كراء الشقق إلى حد لايطاق ، حجز الطرقات والأماكن العامة وتحويلها إلى حظائر لركن السيارات بدون رخصة أو برخص مزورة وهلم جرا...
لايمكن مقارنة السياحة في الجزائر بالسياحة في دول الجوار في شمال إفريقيا حتى لانذهب بعيدا ونحاول عبثا المقارنة مع جاراتنا في جنوب المتوسط حيث استطاعت هذه الدول أن تجذب أعدادا لايستهان بها من السياح الأجانب بفعل خلق وترقية المواقع السياحية والقدرة على الترويج لهذه المواقع السياحية ناهيك عن العمل على تعزيز شبكة المواصلات وبشكل خاص ربط المدن ببعضها البعض بشبكة مواصلات قوية مثلما هو الحال في المغرب ، هذا كله يجعلنا امام مسلمة أساسية وهي أن السياحة في هذه الدول هي شأن للدولة وهي مصدر أساسي للثروة ، فمتى تكون السياحة عندنا أيضا شأنا للدولة ، تعمل على ترقيتها لخلق موارد إضافية دون عائدات النفط التي ساهمت في تكريس الاتكالية لدى الفرد الجزائري ، خاصة وأن الأساس الطبيعي موجود وبجودة عالية ، ذلك ماتؤشر عليه الطبيعة الساحرة لجيجل وبجاية وسكيكدة والقالة والتي تجمع بين خضرة الجبل وزرقة البحر وحمرة الرمال البحرية مثلما هي بعض شواطئ جيجل ،ناهيك عن الطبيعة الصحراوية التي لا تتوفر عليها بعض دول الجوار هذه ممن بلغت مبلغا كبيرا في مجال السياحة.
لقد أدى الإحساس بأن السياحة هي أحد أسباب لقمة العيش لدى هذه الدول الجارة إلى تقديس السياحة ما أدى إلى الاهتمام بالنشاط السياحي والعمل من خلال مختلف الوسائط على بث وعي سياحي لدى أفراد المجتمع ، بل وخلق قوانين واتخاذ إجراءات تجعل من السائح سيدا في البلد طالما أنه يساهم في جلب العملة الصعبة وبناء اقتصاد البلد ، هذا مالا نجده في الجزائر نتيجة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة .

نشر في  الحوار المتمدن-العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21 

الأربعاء، 16 فبراير 2022

المجتمع المدني: بساطة اللفظ وعمق المعنى

 

   سفيان ميمون

يمكن لأي منا أن يعثر بسهولة على مفهوم المجتمع المدني ، فالمفهوم المتداول يشير إلى أنه مجموع المنظمات والجمعيات والنقابات وسائر الهيئات التي تعبر عن آراء المواطنين وتسعى لتلبية حاجاتهم ،وقد كان لهذا المفهوم مسار طويل في اكتسابه لمعناه المعاصر ، كما شهد جدالات وآراء منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا سواء في شقه المجرد أو في شقه الواقعي .

يرجع الكثير من المفكرين مفهوم المجتمع المدني إلى العصور القديمة حيث شكلت آراء وأفكار سقراط وأرسطو خلفية أساسية لتحديد هذا المفهوم ودفعه إلى الأمام ، فالذي يعبر عن حالة التمدن لدى سقراط مثلا هو استخدام طريقة الجدل والحوار في حل الخلافات التي تحدث بين الأفراد داخل المجتمع ، كما يكون المجتمع مدنيا بإشراك المواطنين في الحكم لدى أرسطو.

غير أن الفترة التي يرجع إليها كثير من المفكرين نشأة المجتمع المدني بمعناه الحالي هي فترة العصر الحديث، حيث تم الانتقال من نظام اقتصادي استغلالي تراتبي يستمد قوته من الهيمنة الدينية إلى نظام جديد تبنى مسار الحداثة بالانفتاح على العقل والدعوة إلى الحقوق السياسية والمدنية ، وقد كان هذا خصوصا بفضل حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر وجان كالفن ، وكذلك الحركة العقلانية التي جعلت من الفرد محور كل فهم وأساس كل عمل .

سمي هذا العصر الذي أتى بهذه الحركة العقلانية بعصر التنوير ، لقد كان عصر التنوير بحق عصر انفجار الأفكار والمبادئ السياسية ، كما شكل قطيعة كبرى مع النظام الفكري والاجتماعي السابق ، لهذا وصف المجتمع الذي ترافق مع عصر التنوير في أوروبا بالمجتمع المدني ، فهو العصر الذي انتقل فيه المجتمع الأوروبي من حالة العبودية الفكرية والخضوع لما يمليه رجال الدين إلى حالة الحرية الفكرية والخضوع للقانون باعتباره سيدا على الجميع.

بدأت أولى ملامح المجتمع المدني المنشود تتبلور مع فلاسفة العقد الاجتماعي من خلال طرح فلسفي يقدم لنا المجتمع المدني في صورة مقابلة ، حيث قابلوا بين الطبيعة كحالة افتراضية وهي تمثل الوحشية  والتخلف وسيطرة الناس بعضهم على بعض والمجتمع كحالة منشودة مختلفة عن حالة الطبيعة ، فالمجتمع أو بالأحرى المجتمع المدني عند فلاسفة العقد الاجتماعي ( هوبز ، لوك ، روسو ..) يختلف عن حالة الطبيعة التي تتجلى فيها همجية الأفراد ونزعتهم للتسلط والتملك ، لكن المجتمع المدني ليس كذلك فهو مجتمع يحكمه القانون وتسوده العدالة الاجتماعية ، ولهذا لابد من الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع من خلال تعاقد أفراد المجتمع على التخلي عن بعض حقوقهم لصالح الجماعة ولصالح السلطة السياسية ، وبهذه الطريقة يكون هؤلاء الأفراد مشاركين في هذه السلطة التي تعبر عنهم جميعا .

تمثل المرحلة التي دارت فيها أفكار فلاسفة العقد الاجتماعي ما سمي بالمرحلة التأسيسية ، هذه المرحلة التي شهدت مقابلة الطبيعة من جهة والمجتمع أو المجتمع المدني من جهة ثانية ، دون أي تفريق بين المجتمع المدني أي " مجتمع المواطنين" وما يمكن تسميته " بمجتمع الحكام" أو المجتمع السياسي ، هذه التفرقة التي أقامها هيجل فيما بعد حيث فرق بوضوح بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي ( الدولة) ، غير أن هذه التفرقة التي أقامها هيجل لا تبعث على الانفصال ، بل إن هناك اتصالا وثيقا بين المجتمع المدني والدولة ، فالدولة عنده ضرورية لتنظيم المجتمع المدني عن طريق تطبيق القانون والسبب أن المجتمع المدني ذاته هو مجال للصراع بين عناصره المختلفة.

وقد تعزز مفهوم المجتمع المدني مع ماركس الذي طابق وبخاصة في كتاباته المتأخرة بين مفهوم المجتمع المدني ومفهوم البنية التحتية ليكون مفهوم البنية الفوقية معبرا بالضرورة عن المجتمع السياسي أو الدولة التي بيدها سن القوانين وتوجيه القيم والمبادئ الأخلاقية ، لكن أنطونيو غرامشي ذهب أبعد من هذا حينما ثبت بنيتين فوقيتين وليس بنية فوقية واحدة ، فالمجتمع المدني من منظور غرامشي هو مجموع المنظمات والهيئات التي تسمى حرة ، لكنه لا يرى أنها كذلك لأن هذه المنظمات والهيئات أصبحت في يد الدولة تستخدمها في السيطرة على أفراد المجتمع ، فبدل أن تكون هذه المنظمات خادمة للمجتمع الذي أنتجها لصالحه تم استيعابها وأصبحت خادمة لمصالح المجتمع السياسي ، ولهذا يكون لدينا بنية فوقية أولى ممثلة في الدولة التي تفرض هيمنتها على أفراد المجتمع ، وبنية فوقية ثانية هي هذه المنظمات والهيئات التي تهيمن بواسطتها الدولة أيديولوجيا، فهذه المنظمات هي أدوات أيديولوجية ، أي منتجة للقيم والمعايير المتناسبة مع مصالح المجتمع السياسي ( الدولة) والتي تستخدمها في توجيه أفراد المجتمع.

لكن وبغض النظر عن قضية استيعاب الدولة لهذه المنظمات والهيئات ، فإن لها دورا مهما في مراقبة الدولة كي لا تتغول على المجتمع بما يؤدي إلى الاستبداد ، كانت هذه نظرة صاحب كتاب " الديمقراطية في أمريكا" ( ألكسيس دي توكفيل) الذي يرى أنه لابد أن تكون ثمة عين فاحصة دورها مراقبة الدولة من أجل تعزيز الديمقراطية ، وذلك ما وقف عليه بانبهار شديد في أمريكا حينما لاحظ العدد الهائل من الجمعيات التي ينشئها الناس في مختلف القطاعات .

وقد استقر مفهوم المجتمع المدني اليوم على كونه مجموعة من التنظيمات ( جمعيات ، منظمات ، هيئات مختلفة..) تدل على انتظام الأفراد ووعيهم بضرورة العمل الجماعي وتعطي الانطباع بالرقي والتطور داخل المجتمع ، ويشترط في هذه التنظيمات لتكون ممثلة للمجتمع المدني شرطان أساسيان : الأول هو أن لا تكون تابعة للحكومة لتضمن التعبير عن المجتمع المدني لا السياسي ، والثاني هو أن لا تكون ذات أهداف ربحية لضمان خدمة أفراد المجتمع الذين تمثلهم وليس خدمة مصالها الخاصة.

تعمل منظمات المجتمع المدني بالضرورة على مراقبة الدولة لمنع الاستبداد ، هذا الذي وقف عليه توكفيل في أمريكا ، لكننا سنجد بالنتيجة وفي المجتمعات المتخلفة التي يمارس فيها الاستبداد ليل نهار مراقبة دائمة من قبل الدولة لهذه المنظمات ، ليس بالمعنى الذي طرحه هيجل ، حيث تراقب الدولة منظمات المجتمع المدني تطبيقا للقانون ومنعا للصراع بين عناصر المجتمع المدني ، ولكن بالمعنى الذي طرحه غرامشي ، حيث يتم احتواء منظمات المجتمع المدني كي تصبح في يد الدولة ، تؤمن بواسطتها سيطرة الحكام وترعى مصالهم .

تشكل نظرة غرامشي مقاربة جيدة للواقع الذي تعيشه المجتمعات المتخلفة حيث تعبر بصدق عن كيفية إنشاء المنظمات في هذه المجتمعات وعن سلوكها وأيديولوجيتها ، فكثيرا ما يتم عرقلة المنظمات والجمعيات التي تتضح معارضتها للأنظمة السياسية القائمة ، كما يتم استيعاب أعضاء هذه المنظمات وقادتها على وجه الخصوص ، ولا عجب أن تجد من يتبجح بأن هذه النقابة تابعة للدولة !!، هذا التناقض الذي تبيحه طبيعة المجتمعات المتخلفة وطبيعة الثقافة السائدة والتي يتم تداولها وتوجيهها بفعل القهر الذي تمارسه الأنظمة في شكله المادي والرمزي.

إذا كانت المجتمعات الغربية قد خطت خطوات جبارة في سبيل تكريس المجتمع المدني وترسيخ قيم الديمقراطية ، هذا الذي تطلب منها قرونا من الزمن وعبر تراكمية فكرية غير مسبوقة ، فإن المجتمعات المتخلفة ومنها المجتمعات العربية الإسلامية مازالت بعد لم تحقق فكرة المجتمع المدني على أرض الواقع ، وقد سمعت أحد الأساتذة يقول بشيء من التهكم والتشاؤم معا:" لا وجود لمجتمع مدني عندنا ، كل ما هو موجود هو مجموعة من " أولاد الحرام " ( مجموعة عصابات) تسير بعض المنظمات لخدمة مصالها الخاصة " ، هذا الذي يسقط أحد الشرطين الذين ذكرناهما لقيام ما يسمى بالمجتمع المدني وفقا لهذه الرؤية وهو ألا تكون لهذه المنظمات أهداف ربحية ، أما الشرط الثاني الذي يتمثل في عدم تبعيتها للحكومة فإنه غير محقق بالشكل الكافي في المجتمعات المتخلفة ، خاصة حينما ننظر إلى الطرق التي يتم من خلالها اعتماد هذه المنظمات والجمعيات وأساليب مراقبة المناضلين والأفكار التي تتبناها ، ما يضع حرية هذه المنظمات واستقلاليتها تحت المجهر ، ورغم هذا فإن حضور الكثير من المنظمات والجمعيات ضمن النشاطات والأعمال الخيرية قد أعطى الانطباع بوجود مجتمع مدني منظم ومهيكل ، غير أن المجتمع المدني يتعدى قيام بعض التكتلات بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين إلى ضرورة تجسيد القيم الأساسية التي يترسخ من خلالها المجتمع المدني مثل الديمقراطية وسيادة القانون وحرية التعبير ..الخ   

نشر في موقع  الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14

حيـاة حـي ميت

 

       سفيان ميمون

يسكننا الوطن مثلما نسكنه ، هكذا يعبر الأدباء بشاعريتهم المعهودة حينما يستشعرون حنينهم للوطن ويستذكرون علاقتهم به ، في لحظة وجدت نفسي أتأمل حال الوطن باحثا عن علاقة لي تربطني بهذا الوطن ، فقررت  ودون شعور أن ألتفت إلى الحي الذي أسكن و يسكنني في الوقت ذاته ، أسكنه بجسدي  و يسكنني بهمومه التي لا تنتهي ، كان تأملا  يمزج بين الإغراق في الخيال و معاينة الواقع عينا، طريق الحي أمامي تمتلئ غبارا ، لقد كنت على الحافة بمقهى ذلك الحي الوحيدة ، لم يكن من الواجب  إهدار مابقي من حريرات في التأمل الذهني ، بل كان علي أن اذخرها  إلى المساء  لعلي أستطيع أن أنهي قراءة الفصل الأخير لرواية اسمها المأساة .

     يسكن الحي الذي أسكن سكان مساكين ، مساكين فعلا لأنهم لا يعرفون كيف يجعلون منه حيا جميلا أنيقا يستحق فعلا لقب حي نسبة إلى الحياة ، ربما مازالت الحياة لم تسر بعد في جسد هذا الحي ، فالكل يجمع على افتقاره لكل مواصفات الحياة ، أو ليست الحياة قائمة على الماء ؟!  و بدون ماء لا حياة ؟!  .

    سكان الحي لا يعرفون كيف يجعلون منه حيا جميلا أنيقا لأنهم لم يخبروا تلاعبات الإدارة و مكر المسؤولين ، فمسنوهم أميون و صغارهم الذين بلغوا من العلم مبلغا ليست لهم المعرفة الكافية بخبايا التسيير و الإدارة ، فليس يسيرا على سكان حي هذه حالهم أن ينقذوا حيهم من الضياع .

     تركت عيني ذلك الحجر الذي اقتلعته عجلة جرار كان يريد تغيير الاتجاه ورحت أغرق ثانية في قراءاتي السابقة إذ ساقتني ذاكرتي إلي محتوى مقال قرأته منذ سنين خلت ، لا أذكر السنة بالذات و لكني أتذكر أنه يتحدث عن المواطنة ، فرحت أقيس محتوى المقال بمحتوى الحال ، هل نحن مواطنون حقا قياسا بما قرأت في المقال ؟ أم أن ذلك الذي قرأت يتصل بعالم المثل و ليس له في الواقع مكان .

     لقد عرفت أن للمواطنة ارتباطا قويا بالحقوق و الواجبات ، فالمواطنة عرجاء من غير واجبات حينما لا يحس المرء بنشوة المساهمة في بناء الوطن ، وهي تسلم من غير حقوق إلى انكماش الاحساس بالوطنية لدى الفرد ، فيصبح على اتصال بنوع آخر من الأحاسيس تخالجه كل صباح و كل مساء ، أحاسيس هي أقرب للعبودية منها إلي المواطنة ، و كأننا أمام وضع لا يختلف فيه إلغاء المواطنة في الفرد بإلغاء الفرد ذاته .

     في لحظة قررت أن أترك هذا الخيال الذي أنهك قواي و أن أقطع علاقتي بذاكرتي التي لا تعرف طريقا سوى القراءات المتراكمة لكم من المقالات و الكتب ، فترك الخيال يحيل حتما إلى الاهتمام بالواقع لكنني وجدت هذا الواقع شديد الارتباط بعالم الخيال و التأويلات : على بعد خطوة من وسط المدينة طريق غير صالحة للسير على الأقدام ، افتقار شديد لماء الشرب ، فوضى في البناء ، انعدام للمرافق، شكاوى تلوى الشكاوى للمسؤولين ، وعود كاذبة ....... هذا هو واقع الحي الذي سرعان ما يعيدك للخيال لعلك تستريح ثانية من كل هذه الهموم حينما تسقط عن نفسك صفة المواطنة و تلبس ثوب المنبوذ في وطن شبه لك أنه لك كما أنك له خلال المواعيد الانتخابية .

       لقد كانت المأساة رواية يرويها الجميع في الحي مساء حينما يجتمعون بالمقهى ، ولكل روايته المعهودة ، فهي  تتكرر كل يوم بذات التفاصيل : الطريق ، الماء ، البلدية ، التهميش ،..... ، ولكن لا أحد استطاع أن يفك عقدة المسرحية التي تلتوي حبالها في ساحات الحي وأن يوقف الوجع الذي يتلوى منه هؤلاء السكان المساكين برأي راجح يسعدهم أو إجراء ناجح تطيب بهم خواطرهم وسرائرهم.

     كل شيء في هذا الحي يدعو إلى التأمل والسؤال حتى الاسم: بوعلايق ، لماذا سمي بهذا الاسم ؟ لم أترك فضولي يتجاوز حده قبل أن أقصد جماعة من مسني الحي كانوا يتسامرون بجوار المقهى وأبادرهم بالسؤال عن سر التسمية ، لأعرف أن حديثهم لم يخرج عن الإطار وأنهم كانوا يعقدون مقارنة بين اليوم الذي يأتي إليهم المترشحون  للانتخابات يناشدونهم أصواتهم واعدين إياهم بإدماج حضري محترم واليوم الذي يتربع فيه هؤلاء المسؤولون على كراسيهم متناسين هموم الكادحين الذين مروا على ظهورهم إلى تلك الصالات المكيفة.

     بذلك الاعتقاد الساذج ،  المألوف والحكيم في الوقت  نفسه ، أجابني عمي ابراهيم: لقد أخبر "المرابط الطاهر" أن جميع المشاريع معلقة عن الحي إلى حين يلتزم فيه السكان بإخراج "الزردة " إلى الجوامع التي عهدوا إخراجها إليها حينما كانوا يسكنون الريف ، لقد طالتهم لعنة الأولياء الصالحين ، فعلقت مشاريعهم ، وعلقت آمالهم في عيشة رغد.

الأحد، 27 يونيو 2021

جيجل " المحافظة" *

سفيان ميمون

" تائهة مدينتكم

وعاجزة/ عن/ الإنجاب

أعرفها /

فكل / رجالها/ خصيان

ألفوا / التسكع/ قرب أقدام الموائد

واستكانوا......."

القصيدة كتبها محي الدين اللاذقاني قبل أربعين سنة للأستاذ عبد العزيز بوباكير الذي كان يرافقه في شوارع جيجل ، يستذكر بوباكير هذه الرفقة مع الأستاذ محي الدين الذي أصبح فقط يسمع عنه ويقرأ له ويشاهده في شاشات التلفاز بعد أن استقر به المقام في العاصمة البريطانية لندن.

يستذكر الأستاذ بوباكير هذه القصيدة للأستاذ محي الدين اللاذقاني ضمن مقالة أفردها له في كتاب "الجزائر في عيون الآخر" في جزئه الأول بعنوان " دفء الغربة وصقيع الوطن" مرجحا أن يكون الوصف خاصا بمدينة جيجل – مدينة بوباكير – أو بلدة اللاذقاني – سرمدا - ، فقد غفل بوباكير أن يسأل اللاذقاني أي مدينة يقصد.

مهما كان قصد اللاذقاني فإن الأوصاف التي ضمنها في قصيدته تنطبق على جيجل وزيادة ، وكل كلمة فيها حمالة لمعاني تشمل السياسة والأخلاق والاجتماع ، فليست العقيم من لم تنجب ولكن العقيم التي أنجبت لكنها لم تنجب فعلا، لم تنجب رجالا ، لم تنجب أهل خلق وشهامة ...، ربما هذا أدنى ما يمكن فهمه من عبارة " المدينة التي لم تنجب" .

فهم يدحضه التاريخ نعم ، لأن جيجل هي بلد الرجال الذين شكلوا جزءا مهما من تاريخ الجزائر المعاصر ، وتضحضه الجغرافيا أيضا ، ففي جبال جيجل انكسرت شوكة إحدى أعتى قوات العالم المعاصر، في غابات الشمال القسنطيني بالذات.

لكن الوصف جدير بالاحترام عند النظر إلى واقع جيجل ، إلى وعي أهلها ، إلى علاقاتهم ببعضهم وبغيرهم ، إلى علاقتهم بالتقاليد أيضا ، إلى وهم المحافظة بشكل خاص.

وهم المحافظة مفهوم آخر يضاف إلى جملة المفاهيم التي يتم ركنها بمستودعات الثقافة والوعي في جيجل ، لقد دأبت جيجل على المحافظة على " مفهوم المحافظة" فعلا ، أما المحافظة من حيث هي فعل وعمل وممارسة فلا أعتقد أن لهذا المفهوم كيانا اليوم مع جملة التغيرات التي ثبتت ذاتها كثابت أساسي ومتميز ، تغيرات طالت الأخلاق أولا ومنظومة القيم على  الجملة رغم الإصرار على " صفة المحافظة " ، ربما في هذا شيء من الحنين بلغة الأدب ، أو هو نوع من المقاومة الثقافية بلغة الأنثروبولوجيا ، لكن الشيء المؤكد أن التغير قد حصل لكن للأسف الشديد كان هذا التغير نحو الأسفل في كثير من جوانب الحياة .

لقد كان احترام الصغير للكبير مثلا أو تقدير الطالب للأستاذ أو خفض الصوت عند النطق بكلام بذيء سمة من سمات " المحافظة " ، لا شيء من هذا أصبح له معنى في الواقع ، فقد تساوى الصغير والكبير والطالب والأستاذ ولم  يعد للفضاءات العامة حرمتها ، بل للفضاءات ذات " الحرمة " مثل المدرسة والجامعة والمسجد .

يعارض مفهوم " المحافظة " مفهوم " الانفتاح" بالمعنى الثقافي العام ، فإذا حدث انفتاح على مستوى القيم والعادات تلاشت بالضرورة صفة المحافظة لأن القيم والعادات الجديدة ستحل بالضرورة على القيم والعادات التي دأبنا على المحافظة عليها فتحدث فيها تغييرا إما بإزالتها أو تعديلها، وهذا قانون أساسي من قوانين التثاقف ، غير أن المحافظة في علاقتها بالانفتاح في مخيالنا العام تختلف قليلا عن هذا المفهوم " العالم" ، إنها شيء متعلق بالإنسان ضرورة ، بقيمه العليا التي يفترض ألا تزعزعها القيم "غير الإنسانية " التي لها علاقة بالمادة والغريزة وغيرها ، على أن يكون الانفتاح على ما دون ذلك من قيم وعادات.

بهذا يفترض ألا نجد أي تعارض بين " المحافظة " و " الانفتاح" فلكل مجاله الذي يتحرك فيه ، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب ، فحدث انفتاح على ما كان يفترض المحافظة عليه والمحافظة على ما كان يفترض أن يطاله الانفتاح .

حدث انفتاح على القيم المادية التي ساهمت في قتل الإنسان بما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، وغزت قيم المدينة " المعاصرة" بمشكلاتها وهمومها حياة الريف ، فلم نعد نفرق بين بين الريف والمدينة ، وهذه خاصية عامة لاتختص بها جيجل وحدها ولكنها شاملة للمجتمع الجزائري كله ، بل وللمجتمعات الشرقية كافة ، ولكننا مازلنا مع جيجل كنموذج للمحافظة على المحافظة ، أقصد المحافظة على اسم " محافظة " والإصرار عليه فحسب.

انفتحت جيجل بمدنها الملحقة بها على الكثير من الآفات تتقدمها آفة المخدرات عند الشباب والاعتداءات الجسدية والجنسية ومختلف أصناف الانحلال الخلقي والخيانات الزوجية وغيرها ، بما لم يبق أي وجه في المدينة للمحافظة المزعومة رغم ما يشاع عن قلة حدة هذه الآفات في جيجل مقارنة بغيرها من المدن في المجتمع الجزائري.

لنعد إلى المحافظة ..، فقد حافظت جيجل على بعض الصفات ولم تقدر آليات العولمة المختلفة على زعزعتها ، ولعل أهم هذه الصفات على الإطلاق هي النزعة العروشية وما ينتج عنها من إقصاء وتهميش وموالاة وتموقع واستعلاء وازدراء ...، هذه الصفات التي يتم تفعيلها ليس فقط في الحياة السياسية وفي أوقات الحملات الانتخابية ولكن في الحياة الاجتماعية والثقافية ، وفي علاقات الناس بعضهم ببعض ، وللأمانة فقط ورغم بعض الصفات الذميمة التي ينتجها العرش مثل التعالي والازدراء إلا أن ذلك لم يؤثر على عملية التمازج الاجتماعي بين هذه الأعراش التي تشكل قبيلة واحدة مثلما نجد ذلك في بعض مناطق الصحراء حيث تمنع بعض الأعراش تزويج بناتها لأبناء عرش آخر يرونهم دونهم.

للأمانة أيضا ونتيجة الوعي الذي اكتسبته الأجيال الجديدة فقد حدث بعض التغير الطفيف – وأركز على كلمة طفيف- حيال الموقف من العرش والعلاقات الاجتماعية بين هذه الأعراش، تغير طفيف وغير كاف بالنظر إلى ما نلاحظه من تحكم هذه النزعة العروشية في الكثير من سلوكياتنا السياسية والاجتماعية .

لتبقى جيجل محافظة على بعض السلوكيات التي تبقيها مدينة بائسة وخاملة وغير مستعدة تماما للاندفاع نحو الأمام ، ولتبقى محافظة وفقط على اسم " محافظة " وإن تغير الجوهر وتبدلت الأحوال.

*جيجل مدينة جزائرية توصف بالمحافظة  وهي مدينة ذات تاريخ عريق تقع جغرافيا شرق الجزائر وهي مطلة على البحر الأبيض المتوسط.

نشر في : الحوار المتمدن-العدد: 6934 - 2021 / 6 / 20 - 04:24

السبت، 13 يونيو 2020

البيوغرافيا في الدراسات الاجتماعية

سفيان ميمون


في مفهوم وخصائص المنهج البيوغرافي 
 تشير البيوغرافيا biographie إلى كتابة الحياة أو سيرة الحياة فكلمة  "bio"  تعني الحياة  ، وكلمة  " graphie"   تشير إلى الكتابة ، ويتم استخدام المنهج البيوغرافي في الدراسات الاجتماعية باعتباره أحد المناهج الكيفية التي أصبح لها قيمة كبيرة في فهم المجتمع في بنائه وثقافته ، فقد ساهم هذا المنهج في تكريس أهمية الفرد باعتباره مدخلا لفهم الجماعة ، هذه النظرة التي تبلورت مع المدرسة الألمانية حين نقدها للتصور "الوضعي " الذي يلغي الفرد ولا يعترف إلا بما هو كلي جماعي .
ويمكن التفريق بين السيرة الحياتية ( الغيرية) biographie والتي يكتبها كاتب عن شخص آخر ، وبين السيرة الذاتية autobiographie التي يكتبها الشخص عن نفسه ، وقد كانت السيرة الحياتية ( البيوغرافيا ) أسبق في الظهور من السيرة الذاتية حيث يرجعها بعض الباحثين إلى الحضارة المصرية القديمة حينما دونت حياة الملوك والقواد على أحجار المعابد والمقابر والأهرامات.
ويتم تداول السيرة الحياتية بشكل أوسع في الحقل الأكاديمي من السيرة الذاتية لقيام السيرة الحياتية على بعض الأسس الموضوعية حيث تستند في عملها ومن أجل الحصول على  المعلومات على الوثائق وإجراء المقابلات مع الشخص ذاته أو مع بعض الأفراد القريبين منه ، عكس السيرة الذاتية التي يمكن للذات خلالها أن تتغلب على الموضوع فيعمد الراوي مثلا إلى إخفاء أو تزوير الأحداث انتصارا لذاته وتحقيقا لما يريد ، وبهذا تتجسد سيرة الحياة في اتجاه الباحث ( الكاتب) نحو شخص معين طالبا منه تاريخ أو قصة حياته ، غير أن الباحث لا يستهدف الشخص في ذاته فحسب ، ولكنه يرمي إلى الإحاطة ببعض الخصائص الاجتماعية والثقافية للجماعة التي تحيط بالفرد .
ويفضل بعض الباحثين الحديث عن المنهج " الإثنو بيوغرافي " الذي يستخدم في علم الاجتماع  والأنثروبولوجيا وبعض العلوم الاجتماعية الأخرى ، عندما يكون المقصود هو الإلمام بالوقائع الاجتماعية وتحليلها ، مقابل المنهج ' البسيكو بيوغرافي " الذي يتصل بعلم النفس، وهنا تشير الإثنو بيوغرافيا إلى سيرة الحياة الاجتماعية والثقافية للفرد المندمج في الجماعة ، فيكون المقصود من السيرة هو الجماعة من خلال الفرد كمدخل فقط لفهم هذه الأخيرة .
إن الذي يزيد من قيمة الإثنوبيوغرافيا هو أن صاحب السيرة حتى وإن تكلم بصيغة المفرد " أنا " فإنه يشترك مع كل من يحيطون به ويتفاعلون معه ، فهو ليس سوى جزء من الجماعة ، وهو خاضع لمجموعة من الأطر الثقافية والاجتماعية التي تنمط تفكيره ورؤيته للأشياء ، كما أن النظر للفرد باعتباره مندمجا في جماعة يسمح - ومن خلال منهج السيرة - بالاقتراب أكثر من العلاقات الاجتماعية الأولية  كجماعة الرفاق وجماعة الحي والجيران والجمعيات وغيرها ، إنه صورة مصغرة للمجتمع الذي يعيش فيه لذلك يعكس الفرد في خضم هذا المنهج طريقة تفكير وعيش هذا المجتمع ، كما يدل أيضا على مختلف الضغوط الاجتماعية التي يخضع لها أفراد المجتمع الذين تشبه وضعيتهم الاجتماعية وضعية صاحب السيرة ، هذه الضغوط التي كثيرا ما يتم إخفاؤها من قبل الطبقات المسيطرة لتصبح السيرة بمثابة إعادة كتابة التاريخ من خلال المهمشين والمستضعفين الذين همشهم التاريخ الرسمي وأهملتهم الوثائق التي دونها الأقوياء .
ويختار الباحث في السوسيولوجيا صاحب السيرة بدقة وعناية ، فكثيرا ما يتجه نحو كبار السن بغية الحصول على سيرهم لأنها سير غنية وذات علاقات متشعبة ،  إضافة إلى نضج هؤلاء بما يفيد في تحليل وتدقيق المعطيات التي يتم حكيها ، كما يختار الباحث سيرا من  أصحاب الخبرة الذين لهم علاقة بالظاهرة التي يشتغل عليها .
لا يستمد منهج السيرة قيمته من نوعية صاحب السيرة ومن طبيعة المعلومات التي يتم الحصول عليها فحسب ، بل إن لهذا المنهج قيمة من الناحية المنهجية أيضا ، فعلى خلاف المناهج الأخرى التي تنبني على علاقة تقليدية بين الباحث والمبحوث يمارس خلالها الباحث سلطته على المبحوث ، من خلال امتثال هذا الأخير للباحث واعتباره فقط مصدرا للمعلومات من دون أن يكون مشاركا في تنظيم وترتيب هذه المعلومات  ، نجد المبحوث في خضم منهج السيرة شريكا أساسيا في عملية البحث من خلال قيام المبحوث ( الراوي) جنبا إلى جنب مع الباحث بتنظيم وانتقاء المعلومات بما يعطي للمبحوث نوعا من السلطة تسمح له بتوجيه الباحث من الناحية المعرفية والمنهجية خلافا لما هو معهود في المناهج الأخرى.
البيوغرافيا في التاريخ وعلم الاجتماع
ويمكن لنا أن نستقصي منهج السيرة في تطوره واستخداماته في العديد من الحقول المعرفية ، لكننا نقتصر هنا على الإشارة إلى حقلين نراهما من الحقول الأساسية التي تطور فيهما هذا المنهج وساهم بقسط معين في تفسير وفهم بعض الظواهر التي يضمها هذان الحقلان ، وهما حقل الدراسات التاريخية وحقل الدراسات الاجتماعية وبخاصة دراسات علم الاجتماع  والأنثروبولوجيا .
ففي مجال الدراسات التاريخية يمكن الرجوع إلى ما سمي بالمدرسة  المنهجية ( الوضعية) التي حاولت أن تفرض نوعا من الصرامة العلمية على البحوث التاريخية من أجل الاقتراب  أكثر من الموضوعية بمحاولة تحييد الذات ، ورغم هذا فقد بقي الفرد عاملا جوهريا في بحوثها خاصة في وصفها للأحداث الفردية وأفعال رجال السياسة والدين والجيش ..الخ ، والعمل موازاة مع ذلك على استبعاد الجانب الخيالي والمثالي في وصف حياة وأفعال هؤلاء مراعاة للموضوعية .
وخلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ازدهرت السيرة بفضل هذه المدرسة التي أعطت القيمة للفرد في كثير من الدراسات البيوغرافية ، لكن هذه البحوث تراجعت بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة بروز مؤرخين أسسوا لمدرسة جديدة سميت ب" مدرسة الحوليات " انطلاقا من عام 1929 على يد مارك بلوخ  و لوسيان فيفر ،هذه المدرسة التي شككت في البيوغرافيا وحطت من قيمتها واعتبرتها مجرد وهم  إلى غاية 1970  .
لقد كان السبب في رفض مدرسة الحوليات للبيوغرافيا هو نظرتها الشمولية المنفتحة على جوانب العلوم الاجتماعية المختلفة ( اقتصاد ، اجتماع ،سياسة ، تاريخ،..) ، بل إن الهدف من التمحور حول مجلة الحوليات التي أسسها بلوخ وفيفر والتي سميت المدرسة باسمها هو إيجاد رابط بين العلوم الاجتماعية المختلفة ، ذلك ما أدى إلى استهجان النوع البيوغرافي باعتباره رمزا معرفيا تقليديا لا يتجاوز دوره تكوين معرفة بالفرد دون أن يكون له دور الإحاطة بمحيط هذا الفرد في جوانبه المختلفة ، غير أن هذا الاستهجان الذي أدى إلى تراجع السيرة مقابل انفتاح التاريخ على المجتمع بجوانبه المختلفة لم يمنع بعض الأنواع البيوغرافية من المحافظة على  تواجدها خلال هذه الفترة مثل البيوغرافيا النموذج والتي تنطلق من الفرد ليس كمركز ولكن كمدخل لفهم الجماعة ،  وحيث ينظر للفرد كمنوذج لفترة أو جماعة معينة ،  والبروسوبوغرافيا التي تهتم بالتقاطعات المختلفة بين الأفراد ، أي رصد الخصائص المشتركة للأفراد الذين لهم مميزات مشتركة مثل انتمائهم إلى نفس المهنة أو الطائفة أو التخصص ... الخ.
وفي الوقت الذي ساد فيه تيار البنيوية أصبحت الذات هي الغائب الأكبر ، فقد قدمت البنيوية نفسها كموضة فكرية غطت على باقي المقاربات الأخرى ، غير أن التغيرات الحاصلة في أوروبا وعلى رأسها ثورة 1968 في فرنسا وأوروبا عامة أفقد البنيوية شيئا من بريقها ، مما عجل ببروز تيار فكري ناقد وصف بأنه فكر " ما بعد بنيوي " ، وفي سياق هذا التيار عادت الذات من جديد وأصبح للفرد قيمته ومكانته باعتباره مدخلا للتحليل والفهم .
وبالعودة للذات وللفرد وللفاعل عادت البيوغرافيا من جديد معلنة عن "انفجار بيوغرافي " مثلما يصور ذلك الباحث الفرنسي " فرانسوا دوس" الذي أورد في كتابه " الرهان البيوغرافي – كتابة سيرة" بعض الإحصائيات حول الكتابات البيوغرافية في فرنسا خلال العقدين الأخيرين ، فقد نشرت حسبه 200 بيوغرافيا عام 1985 و611   بيوغرافيا عام 1996 و  1043 بيوغرافيا عام 1999 ،أي أنها في تصاعد مستمر ، ويستثنى من هذه البيوغرافيات السير الذاتية والبحوث الأكاديمية ، ومما ساهم في انتعاش البيوغرافيا في هذه الفترة ظهور بعض المقاربات في مجال التاريخ في بلدان أوروبية مختلفة مثل مقاربة التاريخ من أسفل التي ظهرت في إنجلترا و مقاربة الميكرو تاريخ التي ظهرت في إيطاليا ومقاربة تاريخ الحياة اليومية في ألمانيا ، هذه المقاربات التي تعبر عن نظرة واحدة تقريبا وهي ضرورة توجيه النظر في التاريخ إلى الأسفل ، أي إلى حياة الناس العاديين بدلا من الاهتمام فقط بحياة المرموقين  وأصحاب النفوذ في المجتمع ، وضرورة الرجوع إلى تفاصيل الحياة اليومية في جوانبها الجزئية والمحلية.
و إذا أردنا استقصاء منهج السيرة في مجال علم الاجتماع والأنثربولوجيا فإنه يتعين علينا الرجوع إلى الدراسة التي قدمها " وليام توماس" و " فلوريان زنانيكي " من جامعة شيكاغو عن الفلاح البولندي في أوروبا وأمريكا بين عامي 1918 و 1920 ، كما يتعين علينا أيضا الرجوع إلى الدراسة التي قدمها "أوسكار لويس" من الجامعة ذاتها خلال الستينات عن "سيرة أبناء سانشيز" وفيها حاول بناء سيرة حياتية لأسرة مكسيكية من خلال رصد سيرة أفراد عائلة سانشيز ، بالإضافة إلى المساهمة التي قدمها " هارولد غارفينكل خلال الستينات دائما من خلال ماعرف بالإثنية المنهجية  " éthnométhodologie   ، والتي اهتمت بالدراسات الميكروسوسيولوجية وبالأبحاث الميدانية وكان ذلك على وجه الخصوص بفضل كتابه " دراسات في المنهج الإثني " الذي حاول من خلاله - وبتأثير واضح من " ألفرد شوتز" الذي يمثل تيار " الفينومينولوجيا" في علم الاجتماع-  أن يفهم الطرق التي يعمل بها الأفراد وكيفية تصرفهم في المواقف المختلفة ، يضاف إلى هذا المنحى الذي سلكه الباحث الفرنسي ألان توران والذي وجه جهوده نحو الفاعل والذات الفاعلة بعد أن كان اهتمامه منصبا على الحركات الاجتماعية قبل ثورة الشباب في فرنسا عام 1968.
  الاستخدام الميداني للمنهج البيوغرافي
 يمكن اعتبار السيرة الحياتية عملية مقابلة يروي فيها المبحوث قصة حياته أمام الباحث ، لذلك يصدق عليها ما يصدق على المقابلة على وجه العموم ،  خاصة من حيث اختيار من نريد مقابلتهم ( المبحوثين – المستجوبين..) ، غير أن الباحث في مجال علم الاجتماع والأنثروبولوجيا خاصة  كثيرا ما يلجأ للأفراد الذين لهم خبرة بالميدان وكبار السن ، والذين ينتمون لطبقات وفئات لها اتصال بموضوع الدراسة ، كما  يمكن للباحث أن يتصل بمجموعة من المبحوثين أو " المخبرين " الذين يختارهم بعناية من أجل استخدام سير متعددة تكون دالة على واقع معين ، بما يطرح إشكالا  حول عدد المقابلات التي يجب القيام بها وعدد الأفراد الذين تتم مقابلتهم.
يجد الباحث " دانييل بيرتو" حلا لهذه المشكلة فيما سماه " مفهوم التشبع" ، أي أن التوقف عند عدد معين يمليه مدى كفاية المعطيات التي يجمعها الباحث من عدد معين من المبحوثين ، غير أن التشبع الذي يعنيه برتو لايتوقف عند حدود " الكم" والملاحظة العينية ، ولكنه يتعدى ذلك إلى مستوى كيفي :إلى "تمثل" الباحث بأن المعطيات التي تم جمعها عن ثقافة ما وعن جماعة ما قد تم استيفاؤها بالفعل ، ليكون للتشبع الدور نفسه الذي تؤديه العينة عند استخدام تقنية الاستمارة.
و خلال عملية المقابلة يحاول الباحث بناء علاقة جيدة مع المبحوث بتهيئة الجو المناسب للمقابلة وكسب ثقة المبحوث، ثم بعد ذلك يعمل الباحث على قراءة ما يقال وما لا يقال عند السرد (النظر في تقاسيم الوجه وتقطعات الكلام وطبيعة الابتسامة..) ، كما على الباحث أن يلم ببعض التقنيات الأساسية في المقابلة كأن يعرف متى يطرح الأسئلة ومتى يترك المبحوث يسترسل في الكلام مع خلق بعض الشروط الضرورية التي تزيد من رغبة المبحوث في الحكي ، و للباحث أن يختار الوقت الملائم لتسجيل الملاحظات الضرورية سواء خلال المقابلة أو بعدها بقليل حرصا على عدم نسيانها ، وعند تحليل المعلومات التي يحصل عليها الباحث من راوي السيرة يمكن الرجوع لمضمون السيرة باستقصاء وفحص العناصر المختلفة التي تشكلها مثل التنشئة الاجتماعية للراوي ، تصرفاته ، مواقفه ، التغيرات التي تطرأ عليه ، علاقاته مع الأقارب ...الخ.
و لعل من  الصعوبات التي تلاقي الباحثين خلال استخدام المنهج البيوغرافي صعوبة الانسجام الذاتي للسيرة ، أي أن ما يبدو من انسجام  قد يكون مبتدعا من قبل الباحث أو المبحوث أو منهما معا ، لذلك كان على الباحث أن يضع نفسه دائما في ميزان النقد الذاتي حرصا على الموضوعية التي يتطلبها العلم ، أما المبحوث فلا بد أن يخضع بدوره للنقد والتمحيص ، ولتجاوز الصعوبات التي تعترض الباحثين عند تطبيق منهج السيرة يمكن استخدام بعض التقنيات العملية منها على سبيل المثال إعادة المقابلة مع صاحب السيرة نفسه مع فارق معين في الزمن بين المقابلة الأولى والثانية من أجل تسجيل الفروق في طبيعة المعلومات المقدمة من قبل صاحب السيرة ( الراوي) أو مقابلة أشخاص آخرين قريبين منه ، والاستعانة بالوثائق الشخصية لصاحب السيرة ، إضافة إلى حرص الباحث على التمييز عند الحكي بين ماعاشه الراوي فعلا وبين ماهو مجرد تمنيات وتصورات...الخ.

ملاحظة / هذا المقال هو تلخيص لمقالة علمية غير منشورة تستند إلى مراجع .

منشور في موقع الحوار المتمدن عدد 6592 يوم 13/ 06/ 2020.