سفيان ميمون
من يقتل السياحة في الجزائر ؟ ، سؤال تداوله الجزائريون بكثرة في الآونة الأخيرة ، وهو سؤال مؤسس على كثير من الاعتبارات الواقعية لعل أهمها مايتصل بنقص المرافق السياحية أو انعدامها ، وكذلك طريقة تسيير وتنظيم الشأن السياحي فيما يتعلق خصوصا بالإشهار للمواقع السياحية وطرق التواصل مع السواح وحسن استقبالهم وغيرها ، ولعل مما نسمعه من إجابات لهذا السؤال هو غياب ثقافة سياحية في الجزائر ، فما هو المقصود بالثقافة السياحية وماهي الجوانب التي تغيب عنها هذه الثقافة السياحية ؟.
علينا التفريق اولا بين مفهومين متقاربين من حيث اللفظ لكنهما مختلفان في المعنى وهما مفهوم الثقافة السياحية من جهة ومفهوم السياحة الثقافية من جهة ثانية ، يحيل مفهوم السياحة الثقافية على اعتبار الثقافة هدفا للعملية السياحية حيث يسعى السائح للحصول على معلومات ومعارف جديدة ، الحصول على مراجع أو كتب ، تحصيل معرفة تاريخية من خلال زيارة مواقع أثرية وغيرها من الأهداف التي ينشدها السائح ، غير أن الثقافة السياحية شيء آخر مختلف ، حيث لاتكون الثقافة هدفا ولكن تكون أساسا للعملية السياحية ، فالثقافة هي الموجه الأساسي للفعل السياحي وعلى اساسها يتحدد هذا الفعل ، فيكون هذا الفعل بناء أو غير ذلك ويكون فعلا سويا أو لايكون كذلك بناء على الخلفية التي توجه هذا الفعل وهي الثقافة باعتبارها خلفية للفعل والسلوك السياحي.
يمكن رصد الثقافة السياحية ، حضورها أو غيابها لدى الأفراد والمؤسسات على حد سواء ، فبالنسبة للمؤسسات يمكن الرجوع إلى طرق تنظيم الشأن السياحي من قبل المؤسسات التي تعمل في مجال السياحة ، بتوفير المرافق السياحية التي تناسب كل الفئات الاجتماعية ، وتنظيم التعاملات السياحية بما لا يدع مجالا للقلق لدى السائح ، بدءا من تنظيم مستودعات ركن السيارات إلى مراقبة أسعار الشقق ، ويغمرني الخجل هنا أن أتحدث عن تنظيم صرف العملة ، لأن هذا المجال عندنا في الجزائر مازال تحت رحمة السوق السوداء عكس بعض الدول الجارة التي قطعت أشواطا في مجال تسيير العملية السياحية مثل تونس والمغرب والتي توفر بين مركز الصرف والمركز الآخر مركزا للصرف .
أما بالنسبة للأفراد فإن الحديث عن غياب الثقافة السياحية بالمطلق هو ظلم للأفراد لأن الفرد الجزائري عموما وبغض النظر عن اختلاف مستويات التفكير ومستويات المعيشة اكتسب نتيجة البيئة المعلوماتية المعاصرة الكثير السلوكيات الواعية ومن ضمن هذه السلوكيات السلوكيات السياحية ، لكن ورغم هذا فإن تكرار بعض السلوكيات المشينة كثيرا ماتبعث على احجام الأفراد عن زيارة بعض المناطق السياحية بما يقلل من كثافة النشاط السياحي ويؤدي إلى تعطيل الحركية السياحية وماينتح عنها من فوائد ومنافع للافراد والمؤسسات الخاصة والعامة ، ولعل أدنى مايمكن ملاحظته من هذه السلوكيات عدم احترام المواقع السياحية من خلال رمي القمامة بشكل عشوائي ، ابتزاز السواح برفع سعر كراء الشقق إلى حد لايطاق ، حجز الطرقات والأماكن العامة وتحويلها إلى حظائر لركن السيارات بدون رخصة أو برخص مزورة وهلم جرا...
لايمكن مقارنة السياحة في الجزائر بالسياحة في دول الجوار في شمال إفريقيا حتى لانذهب بعيدا ونحاول عبثا المقارنة مع جاراتنا في جنوب المتوسط حيث استطاعت هذه الدول أن تجذب أعدادا لايستهان بها من السياح الأجانب بفعل خلق وترقية المواقع السياحية والقدرة على الترويج لهذه المواقع السياحية ناهيك عن العمل على تعزيز شبكة المواصلات وبشكل خاص ربط المدن ببعضها البعض بشبكة مواصلات قوية مثلما هو الحال في المغرب ، هذا كله يجعلنا امام مسلمة أساسية وهي أن السياحة في هذه الدول هي شأن للدولة وهي مصدر أساسي للثروة ، فمتى تكون السياحة عندنا أيضا شأنا للدولة ، تعمل على ترقيتها لخلق موارد إضافية دون عائدات النفط التي ساهمت في تكريس الاتكالية لدى الفرد الجزائري ، خاصة وأن الأساس الطبيعي موجود وبجودة عالية ، ذلك ماتؤشر عليه الطبيعة الساحرة لجيجل وبجاية وسكيكدة والقالة والتي تجمع بين خضرة الجبل وزرقة البحر وحمرة الرمال البحرية مثلما هي بعض شواطئ جيجل ،ناهيك عن الطبيعة الصحراوية التي لا تتوفر عليها بعض دول الجوار هذه ممن بلغت مبلغا كبيرا في مجال السياحة.
لقد أدى الإحساس بأن السياحة هي أحد أسباب لقمة العيش لدى هذه الدول الجارة إلى تقديس السياحة ما أدى إلى الاهتمام بالنشاط السياحي والعمل من خلال مختلف الوسائط على بث وعي سياحي لدى أفراد المجتمع ، بل وخلق قوانين واتخاذ إجراءات تجعل من السائح سيدا في البلد طالما أنه يساهم في جلب العملة الصعبة وبناء اقتصاد البلد ، هذا مالا نجده في الجزائر نتيجة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة .
نشر في الحوار المتمدن-العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21