سفيان ميمون
لم
تر الإنسانية كلها مثلما رأت في غزة الجريحة ، فمشاهد القتل فريدة وآلة القتل شديدة ، لكن هذا كله لم يشفع للناس
هناك ، بل هنا ، لأنهم يسكنون قلوبنا نحن الضعاف الذين لا نقوى على شيء ، لم يشفع
لهم بقوي يوقف النار والدمار ، رغم أن
النار ستبقى وإن توقف الدمار ، نار الأبناء والآباء الذين فقدوا ، وسير بهم إلى
المقبرة .
الانسانية
بمعنى التكتل البشري الذي يملأ هذا العالم تخفي رأسها في الرمل كالنعام إلا من رحم
ربك حيث تحرك القليل من المستضعفين لنصرة غزة لكنهم لم يغيروا في الوضع شيئا ، أما
الأقوياء ء فإنهم يقفون إلى جانب القوي الظالم فهم ظلمة أيضا ومعتدون حالهم كحال
المعتدي المباشر .
الأقوياء
لا يبالون بما يرون من صور للموتى في غزة بل يرون ذلك حقا للدولة الغاصبة في
الدفاع عن نفسها ، إنها المجزرة الأعنف في
حق النساء والأطفال والشيوخ ،فإذا كانت مجزرة الشجاعية وغيرها من المجازر التي ارتكبها
العدو الصهيوني الغاشم موغلة في القتل والترويع فإن تبرير القتل من أقوياء العالم
وسادته دول ومنظمات هو جريمة الجرائم الذي يؤشر على استمرار المأساة .
أقوياء
العالم يراوغون ليقتلوا الفلسطينيين وقضيتهم ويفسحوا المجال لليهود كي يستوطنوا
الأرض المقدسة وحدهم من غير شريك ، إنهم يراوغون ليضمنوا استمرار إرسال حثالتهم
البشرية الى هناك والتخلص منهم ، وليضمنوا كذلك قوة الحارس الذي نصبوه على أراضي
الشرق الأوسط والوطن العربي كله .
لاإنسانية
مع المصلحة ، الإنسانية اليوم باتت في خانة الكذب والديمقراطية كذلك ، لا أمم
متحدة ولا قانون دولي محترم مع جرثومة الشرق الأوسط التي لم ينفع معها دواء ، لقد
صرنا نخال العالم غابة كبيرة وكأننا ننتظر
روسو ليخط لنا كتابه " العقد الاجتماعي " حتى نعرف كيف ننتظم سياسيا
واجتماعيا في عالم يأكل فيه القوي الضعيف ويتحالف القوي مع القوي على هذا الضعيف
نفسه .
أين
الإنسانية التي طالما تشدق بها الغرب ، وأين الديمقراطية التي أنشأ لها جمعيات ومنظمات
؟ لقد باتت في خبر كان ، نقرأ هذا في عدم احترام هذه الجمعيات والمنظمات ليس من
المحتل الصهيوني فحسب ولكن من أقوياء العالم المساندين للعدوان ، فحكومات هذه
الدول لا تفعل شيئا عندما تقصف مدارس الأونروا ، بل لا تقول شيئا، فلا حرمة لهذه
المدارس ومن فيها لأن الذي دمر هذه المدارس هو الابن البار لهذه الدول ، ولو مست
هذه المدارس في أماكن أخرى غير الأرض الفلسطينية لصدعت رؤوسنا بشعارات حقوق
الإنسان والقانون الدولي وانتهاك حرمة هيئة دولية ...وكأن الفلسطينيين لا حق لهم
حتى في الحياة .
إن
تحالف الدول الغربية وتآمرها على العرب والمسلمين ليس غريبا علينا فقد ألفنا ذلك
زمن الاستعمار الغربي على بلداننا ، لكن الغريب والمؤسف هو تحالف بعض الحكومات
العربية مع قتلة الاطفال في غزة ودعمهم للعدوان وهو ما بدا من خلا ل الإعلام
المرتبط بهذه الحكومات خاصة في مصر التي كان يعلق عليها دوما الأمل الاكبر في
تخفيف المشاكل في المنطقة . لقد غابت الإنسانية أيضا عن هذا الإعلام فلم تشغله
الجثث الهامدة بقدر ما شغلته حماس " الإرهابية " التي استطاعت أن ترسل
من قواعدها بضع صواريخ قليلة الفاعلية ، لاإنسانية لمن يمنع الطعام والدواء على أخ
وجار محاصر من كل الجوانب ، فهي مشاركة
واضحة في القتل ، حاله كحال المعتدي بل أشد لأن الموت بالرصاص والشظايا أهون من
الموت جوعا .
غابت
الإنسانية لدى هؤلاء جميعا لكنها حاضرة في قلوب المستضعفين الذين صنعوا أكواما من
الكراهية لدولة المحتل وحلفائهم في الغرب والشرق ، ولعل هذه الكراهية التي تنمو في
القلوب هي وحدها التي تكفل للفلسطينيين حقوقهم المهضومة ولو بعد حين .