السبت، 17 أغسطس 2013

السوسيولوجيا بين الوحدة والتعدد



سفيان ميمون

هناك سؤال جوهري طالما طرحت حوله الأسئلة ودارت بشأنه النقاشات وهو : هل هناك سوسيولوجيا واحدة باعتبار أن نظريات العلم ومناهجه هي نفسها في الشمال والجنوب والشرق والغرب ، أم أن هناك سوسيولوجيات عديدة تبعا لتعدد المجتمعات التي يمارس فيها العلم ؟   
لقد شكل هذا التساؤل فعلا اهتمام كثير من علماء الاجتماع فراحوا يجيبون عنه من منطلق قناعاتهم المختلفة ، كما حاولوا الإجابة عنه من خلال مواقعهم الأيديولوجية أيضا ، فعلم الاجتماع حسب الرواية الأولى ( الذين يرون أن هناك سوسيولوجيا واحدة ) يرون أن علم الاجتماع نشأ خلال سيرورة تاريخية واجتماعية معينة وتدرج في نشأته – شأنه شأن المجتمعات التي يدرسها – من البسيط إلى المعقد ، فاكتسب بذلك العديد من النظريات والمناهج التي تطورت مع تطور الدراسات السوسيولوجية ، فأصبحت هذه النظريات والمناهج أساسية في أي عمل علمي ، فلا يمكن للباحث السوسيولوجي أن يستغني عن نظريات بحجم البنائية الوظيفية والماركسية مثلا في تحليل المجتمعات التي يدرسها لأن المفاهيم المستخدمة في التحليل لا تخرج عن إطار الاتساق والتوازن والتكامل مما يدخل في تكوين النظرية البنائية الوظيفية ، أو الصراع والتغير الاجتماعي مما يدخل في تكوين النظرية الماركسية .
إن أصحاب هذه الرؤية ينظرون إلى نظريات ومناهج علم الاجتماع باعتبارها قاعدة خلفية يستند إليها الباحثون الاجتماعيون لتفسير المجتمعات التي يدرسونها ، فمهما كانت طبيعة المجتمع المدروس فإنه يمكن اللجوء إلى مفاهيم وطرق وتقنيات هذه النظريات والمناهج باعتبارها تشكل مصدرا لا غنى عنه من الآليات والوسائل التي تساعد الباحثين في دراساتهم وأبحاثهم .
أما الرؤية الثانية  فهي مؤسسة على عدم التسليم بسوسيولوجيا واحدة وإنما بتعدد السوسيولوجيات تبعا لتعدد المجتمعات ، فطالما أن هناك مجتمعات مختلفة في بيئتها وثقافتها فإن الأمر يقتضي إيجاد علم اجتماع عربي وعلم اجتماع غربي وعلم اجتماع لأمريكا الجنوبية .....الخ ، وهناك محاولات للتأصيل النظري من خلال تفسير الظواهر الاجتماعية بردها إلى مجالها البيئي ، كما هو الحال بالنسبة لبعض السوسيولوجيين المسلمين الذين يحاولون تفسير الظواهر الاجتماعية الحاصلة في مجتمعاتهم من منطلق البيئة الاسلامية ومختلف أطرها النظرية كآي القرآن والسنة النبوية الشريفة ..الخ .
لكن الرؤيتين كلتيهما ما فتئتا تتعرضان للنقد فالذين يؤمنون بضرورة تعميم علم الاجتماع الغربي بنظرياته ومناهجه باعتباره علما عاما وشاملا – كثيرا ما يغلبون ماهو نظري على ماهو واقعي بينما من مبادئ العلم الأساسية أن تستخدم النظريات والمناهج كأدوات مساعدة على التحليل فقط ، لا أن تفرض نفسها على هذا الواقع فتغيره وتضفي عليه ما ليس فيه ، وقد أشار إلى هذا الدكتور علي الكنز في إحدى آرائه حينما أوضح أن كثيرا من باحثينا يقومون بتطويع الواقع لصالح النظرية وليس العكس مزيفين بذلك الواقع الذي يدرسونه .
كما أن الذين يؤمنون بضرورة تعدد السوسيولوجيات وفقا لتعدد المجتمعات مطالبون بتطوير نظريات خاصة نابعة من مجتمعات الدراسة وليس الاكتفاء بنقد السوسيولوجيا الغربية ، وفي المجتمعات الاسلامية نجد بعض المفكرين الذين وضعوا بعض الأسس للتنظير السوسيولوجي الاسلامي على غرار المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي تحدث عن المجتمع والثقافة وأسس تشكلهما مما يستدعي الاهتمام وتطوير هذه الرؤى.